عن قواعد إبراهيم وفي الأخرى فإن قريشا اقتصرتها وفي الأخرى استقصروا من بنيان البيت وفي الأخرى قصروا في البناء وفي الأخرى قصرت بهم النفقة قال العلماء هذه الروايات كلها بمعنى واحد ومعنى استقصرت قصرت عن تمام بنائها واقتصرت على هذا لاقدر لقصور النفقة بهم عن تمامها وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما فتركها صلى الله عليه وسلم ومنها فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا الا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك ومنها تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق قال العلماء بنى البيت خمس مرات بنته الملائكة ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وفيه سقط على الأرض حين وقع ازاره ثم بناه ابن الزبير ثم الحجاج بن يوسف واستمر إلى الآن على بناء الحجاج وقيل بنى مرتين آخريين أو ثلاثا وقد أوضحته في كتاب ايضاح المناسك الكبير قال العلماء ولا يغير عن هذا البناء وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك ابن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب فقال مالك ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تجعل هذا البيت لعبة للملوك لا يشاء أحد الا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس وبالله التوفيق قوله صلى الله عليه وسلم (ولجعلت لها خلفا) هو بفتح الخاء المعجمة وإسكان اللام وبالفاء هذا هو الصحيح المشهور والمراد به باب من خلفها وقد جاء مفسرا في الرواية الأخرى ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا وفي صحيح البخاري قال هشام خلفا يعني بابا وفي الرواية الأخرى لمسلم بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه وفي رواية البخاري ولجعلت له خلفين قال القاضي وقد ذكر الحربي هذا الحديث هكذا وضبطه خلفين بكسر الخاء وقال الخالفة عمود في مؤخر البيت وقال الهروي خلفين بفتح
(٨٩)