(ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا من عند الشجرة حين قام به بعيره) قال العلماء هذه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر وكل مفازة تسمى بيداء وأما هنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه وقوله تكذبون فيها أي تقولون انه صلى الله عليه وسلم أحرم منها ولم يحرم منها وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم ابن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشئ على خلاف ما هو وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة صحيح مسلم أن الكذب عند أهل السنة هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو سواء تعمده أم غلط فيه أو سها وقالت المعتزلة يشترط فيه العمدية وعندنا أن العمدية شرط لكونه اثما لا لا لكونه يسمى كذبا فقول ابن عمر جار على قاعدتنا وفيه أنه لا بأس باطلاق هذه اللفظة وفيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة ولا يجوز لهم تأخير الاحرام إلى البيداء وبهذا قال جميع العلماء وفيه أن الاحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الاحرام من مسجده مع كمال شرفه فان قيل إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز قلنا هذا غلط لوجهين أحدهما أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت والثاني أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يحمل على بيان الجواز في شئ يتكرر فعله كثيرا فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز ويواظب غالبا على فعله على أكمل وجوهه وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثا كله ثابت والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأما الاحرام بالحج فلم يتكرر وإنما جرى منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فلا يفعله الا على أكمل وجوهه والله أعلم قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل) فيه استحباب صلاة الركعتين عند إرادة الاحرام ويصليهما قبل الاحرام ويكونان نافلة هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ما حكاه القاضي
(٩٢)