تأويله وفى تأويله ثلاثة أوجه أحدها أنه محمول على الكفر فان الكافر شاهد بالزور وعامل به والثاني أنه محمول على المستحيل فيصير بذلك كافرا والثالث أن المراد من أكبر الكبائر كما قدمناه في نظائره وهذا الثالث هو الظاهر أو الصواب فأما حمله على الكفر فضعيف لأن هذا خرج مخرج الزجر عن شهادة الزور في الحقوق وأما قبح الكفر وكونه أكبر الكبائر فكان معروفا عندهم ولا يتشكك أحد من أهل القبلة في ذلك فحمله عليه يخرجه عن الفائدة ثم الظاهر الذي يقتضيه عموم الحديث واطلاقه والقواعد أنه لا فرق في كون شهادة الزور بالحقوق كبيرة بين أن تكون بحق عظيم أو حقير وقد يحتمل على بعد أن يقال فيه الاحتمال الذي قدمته عن الشيخ أبى محمد بن عبد السلام في أكل تمرة من مال اليتيم والله أعلم وأما عده صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من الكبائر فدليل صريح لمذهب العلماء كافة في كونه كبيرة الا ما حكى عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال ليس هو من الكبائر قال والآية الكريمة في ذلك إنما وردت في أهل بدر خاصة والصواب ما قاله الجماهير أنه باق والله أعلم وأما قوله فكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت فجلوسه صلى الله عليه وسلم لاهتمامه بهذا الأمر وهو يفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه وأما قولهم ليته سكت فإنما قالوه وتمنوه شفقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكراهة لما يزعجه ويغضبه وأما عده صلى الله عليه وسلم السحر من الكبائر فهو دليل لمذهبنا الصحيح المشهور ومذهب الجماهير أن السحر حرام من الكبائر فعله وتعلمه وتعليمه وقال بعض أصحابنا أن تعلمه ليس بحرام بل يجوز ليعرف ويرد على صاحبه ويميز عن الكرامة للأولياء وهذا القائل يمكنه أن يحمل الحديث على فعل السحر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم من الكبائر شتم الرجل والديه إلى آخره ففيه دليل على أن من تسبب في شئ جاز أن ينسب إليه ذلك الشئ وإنما جعل هذا عقوقا لكونه يحصل منه ما يتأذى به الوالد تأذيا ليس بالهين كما تقدم في حد العقوق والله أعلم وفيه قطع الذرائع فيؤخذ منه النهى عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك والله أعلم
(٨٨)