دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٢٤٧
الأصل آبيا عن معنى اللفظ المنقول. فمنها:
1 - ما اشتهر بين المتأخرين من أرباب التأليف وأرسلوه إرسال المسلمات عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء " ويفضلون بذلك مداد المصنفين على الذين كانوا في دمائهم في سبيل الحق متشحطين، ولكن الأصل فيه على ما رواه الصدوق في الفقيه بالرقم 5853، والأمالي في المجلس الثاني مسندا عن مدرك بن عبد الرحمن عنه عليه السلام أنه قال: " إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد. ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء ".
فهذا كما هو الظاهر لا يفضل المداد على الدماء بل يخبر عن حقيقة ربما يذهل عنها الغافل، وهي أن المحابر التي كتبت بها العلوم والمعارف ونشرت في الدعوة إلى التوحيد وقبول دين الله عز وجل كانت بالقياس إلى الدماء التي أهريقت في سبيل الحق أرجح حجما وأثقل وزنا، ومفهوم الخبر: أن الدعوة الإلهية أكثر نشرها كانت بالمحابر والأقلام بإتيان الحجج والبرهان، لا بالشهادة وإيثار المهج والقربان، وأين هذا المعنى من اللفظ المنقول.
2 - روى الصدوق - رحمه الله - في الفقيه بالرقم 719 في باب فضل المساجد: " وسئل الصادق عليه السلام عن الوقوف على المساجد، فقال: لا يجوز، فإن المجوس أوقفوا على بيوت النار ".
وقال الفيض - رحمه الله -: " المستفاد من الخبر تعليل المنع بالتشبه بالمجوس، ولعل الأصل فيه خفة مؤونة المساجد، وعدم افتقارها إلى الوقف إذا بنيت كما ينبغي، وإنما افتقرت إليه للتعدي عن حدها ".
أقول: والأصل في الخبر ما رواه المؤلف في آخر كتاب الوقف، والشيخ في التهذيب بإسنادهما " عن العباس بن عامر، عن أبي الصحاري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة، أتوقف على المسجد؟ فقال: إن المجوس أوقفوا على بيت النار ".
وهذا كما ترى ليست فيه لفظة " لا يجوز " إنما هو ما استنبطه الصدوق
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»