قاله في المجمع، ثم قال: " والمفهوم من كلام الأئمة عليهم السلام أن المراد من الجبرية الأشاعرة، ومن القدرية المعتزلة لأنهم شهروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدين، وهو كون الحوادث بقدرة الله تعالى وقضائه، وزعموا أن العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع تام يعني لا يتوقف فعله على تجدد فعل من أفعاله تعالى، وهذا أحد معاني التفويض.
وقال علي بن إبراهيم: " المجبرة الذين قالوا: ليس لنا صنع ونحن مجبرون، يحدث الله لنا الفعل عند الفعل، وإنما الأفعال منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة، وتأولوا في ذلك بآيات من كتاب الله لم يعرفوا معناها مثل قوله: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " وقوله " ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها.
وفيما قالوه إبطال للثواب والعقاب، وإذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب والعقاب، نسبوا إلى الله تعالى الجور وأن يعذب على غير اكتساب وفعل. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل وبغير حجة واضحة، والقرآن كله والعقل رد عليهم كما لا يخفى على من راجع وتدبر ".
لا يخفى عليك أنه قد كثر رمي رجال بالغلو وليس من الغلاة عند التحقيق، فينبغي التأمل والاجتهاد في ذلك وعدم المبادرة إلى القدح بمجرد ذلك.
ولقد أجاد المولى الوحيد حيث قال: " اعلم أن كثيرا من القدماء سيما القميين منهم وابن الغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلال ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوزون التعدي عنها وكانوا يعدون التعدي ارتفاعا وغلوا على حسب معتقدهم حتى أنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أو التفويض المختلف فيه، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم أو الإغراق في شأنهم أو إجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثرة القدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض، ارتفاعا أو مورثا للتهمة به، سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين.