دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ١٥٣
وبالجملة الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضا فربما كان شئ عند بعضهم فاسدا وكفرا. أو غلوا أو تفويضا، أو جبرا أو تشبيها، أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده أولا هذا ولا ذاك، وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم، كما أشرنا إليه آنفا، أو ادعا أرباب المذهب كونه منهم، أو روايتهم عنه، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنهم إلى غير ذلك، فربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة - إلى أن قال: - ثم اعلم أنه يعني أحمد بن محمد بن عيسى وابن الغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث بعد ما ينسبانه إلى الغلو، وكأنه لرواية ما يدل عليه " ولا يخفى ما فيه - اه‍.
قلت: فلابد حينئذ من التأمل في جرحهم بأمثال هذه الأمور، ومن لحظ مواضع قدمهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن ومحمد بن سنان والمفضل بن عمر وأمثالهم عرف الوجه في ذلك.
وكفاك شاهدا إخراج أحمد بن محمد بن عيسى لأحمد بن محمد بن خالد البرقي من قم. بل عن المجلسي الأول: أنه أخرج جماعة من قم. بل عن المحقق الشيخ محمد ابن صاحب المعالم أن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب فيه.
فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم، فكيف يعول على جرحهم وقدحهم بمجرده بل لابد من التروي والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن. (1)

(١) الغالي عند القدماء من يكون على اعتقاد الباطنية أو الذي يميل إلى معتقدهم، والمراد بالباطنية أصحاب الإباحات، لا الغلو في الفضائل، والشاهد على ذلك ما ذكره النجاشي في محمد بن أورمة قال: " ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به، فوجدوه يصلي من أول الليل إلى آخره.
فتوقفوا عنه ".
وما في فلاح السائل عن الحسين بن أحمد المالكي قال: " قلت لأحمد بن مليك الكرخي عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلو. فقال: معاذ الله، هو والله علمني الطهور " - إلى غير ذلك من الشواهد -.
فما نقل المولى الوحيد عن بعض الأصحاب - رحمهما الله - " من أن القدماء لا سيما القميين منهم اعتقدوا منزلة خاصة من الرفعة - الخ " صرف الوهم وعدم فهم المراد من الغلو والغالي في اصطلاحهم - رحمهم الله تعالى - وإلا فالزيارة الجامعة الكبيرة التي فيها جميع مقامات الأئمة وصفاتهم وكمالاتهم لم يروها أحد إلا القميون والشيخ رواها عن الصدوق - رحمهما الله - والصدوق رواها معتقدا بجميع فصوله ودلالاته في الفقيه، وقال في أوله " لم أقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - الخ " الغفاري.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»