أنصار الحسين (ع) - محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٠٧
عليه، موفرين قوتهم ليستخدموها لحسابهم الخاص.
وقد أفلح العباسيون أخيرا في الاستيلاء على السلطة مستغلين عاملين:
الأول:
أنهم كما ذكرنا استفادوا نفوذا شعبيا من كل الثورات التي قام بها الطالبيون وغيرهم، وحين تحركوا للدعوة إلى أنفسهم لم يفصح دعاتهم عن هوية المدعو إليه، وإنما كانت الدعوة إلى الرضا من آل محمد، وكان الناس يفهمون من هذا التعبير العام أن المدعو إليه رجل علوي لما يتمتع به العلويون من حضور قوي في الذهنية العامة. وكان الدعاة والخواص وحدهم يعرفون الهوية العباسية للمدعو إليه، وحين جاء الوقت المناسب أعلنوا ما يقال من عهد أبي هاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب إلى علي بن عبد الله بن عباس، وتحويله حقه في السلطة إلى علي هذا (1).

(1) الرواية الشائعة تاريخيا هي كما يلي: إن الفرقة الكيسانية كانت تعتقد بإمامة محمد بن الإمام علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية) وأن ولاء الكيسانية انتقل، بعد وفاة محمد بن الحنفية، إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد، وأن أبا هاشم كان فصيحا، يتمتع بقدرة كبيرة على الاقناع، فاستدعاه سليمان بن عبد الملك إلى دمشق (أو أن أبا هاشم وفد عليه) فأكرمه وأحسن إليه، ولكنه عزم على قتله لما أن خافه، فدس إليه من سمه وهو في طريقه إلى إقليم الشراة سنة 18 ه‍.
ولما أحس أبو هاشم بالموت عرج إلى الحميمة (وهي قرية على مقرية على مقربة من العقبة) حيث كان يقيم علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد، فأوصى إلى علي هدا وإلى أولاده بحقه في الإمامة، وكشف لهم اسم داعي الدعاة (رئيس الدعاة) في الكوفة، ومن يليه من الدعاة في سائر الأقطار، وسلمهم كتبا يقدمونها إلى هؤلاء الدعاة. وقد تم هذا في سنة 99 ه‍.
وبذلك انتقل الحق في الخلافة من العلويين إلى العباسين، وانتقل ولاء الكيسانية إلى هؤلاء أيضا وقد اضطلح بأعباء الدعوة بعد وفاة علي بن عبد الله ابنه محمد بن علي العباسي الذي توفي سنة 125 - وفى عهده دخل أبو مسلم الخراساني في رجال الدعوة. وقد خلف محمد بن علي بن عبد الله العباسي ابنه إبراهيم المعروف بالامام وهو الذي جعل أبا مسلم قائدا للدعوة في خراسان. وقد قبض مروان بن محمد (الحمار) على إبراهيم في الحميمة وسجنه في حران وتوفي سجينا. وكان قد عهد إلى أخيه - حين علم بمصيره - أبي العباس السفاح بالإمامة وأمره بالرحيل مع أهله إلى الكوفة فذهبوا إليها حيث تلقاهم رئيس الدعاة أبو سلمة الخلال، وأنزلهم في منزل سري، إلى أن أعلنت الدولة العباسية في 12 ربيع الأول سنة 132 ه‍ ببيعة أبي العباس السفاح.
هذه الرواية موضع شك عندنا، فهي تثير أسئله لا يمكن الإجابة عليها، ابتداء بطبيعة العلاقة بين محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم من جهة وبين الفرقة الكيسانية من جهة أخرى، والغريب أن هذه الفرقة تفقد دورها الكبير في سير الاحداث بمجرد انجاز ما يدعى من تنازل أبي هاشم.
ولماذا لم يعهد أبو هاشم بأمره إلى أحد من أبناء علي، وما هي الاثباتات التي تجعل دعوى العباسيين لهذا التنازل موضع ثقة؟.
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة