أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج ١ - الصفحة ١٣٥
الخليفة ضده، والبصيرة النافذة بما يؤثر في نفوس الجماهير من الناس، فإنها إن كانت قد باغتت الخليفة في تلك المرة باخراج نعل رسول الله لتهييج الجماهير عليه وأثرت الأثر الذي كانت تتوخاه، ولم يكن لتكراره مرة ثانية ذلك الأثر على النفوس، فإنها في هذه المرة أيضا لم تعدم الوسيلة لإثارة العواطف ضده، فقد أضافت إلى ما أخرجت: ثوب رسول الله وشعره، فكان لها الأثر الفعال في إثارة الناس على عثمان وتحطيم مركزه كخليفة للمسلمين كما كان ذلك للتي قبلها.
وفي القصتين جميعا تمكنت أم المؤمنين من أن ترفع عن عثمان الحصانة التي كان يتمتع بها في المجتمع الاسلامي لمكانه من خلافة رسول الله، فإنها قد استطاعت بوسائلها المحسوسة أن تجعله في جانب. وسنة رسول الله وآثاره وأزواجه في جانب آخر، وبذلك قد أزالت عنه كل حرمة في النفوس وكرامة في المجتمع، فأصبح المسلمون يستسيغون النيل منه، ثم تعدى أثر ذلك من شخص الخليفة إلى مقام الخلافة فإنه لم يبق بعد هذا المقام الخلافة أيضا حرمته الأولى في المجتمع الاسلامي. وبذلك أثرت حتى على من جاء بعده من الخلفاء.
ومما نرى في هذه الحوادث، تردي العلاقات بين أم المؤمنين وعثمان من سيئ إلى أسوأ، فقد أصبحت من أشد المعارضين له بعد أن كانت من أقوى مؤيديه، ومن الجائز أن يكون بدء تنقيص عطائها في خلال هذه المعارك الكلامية.
وأخيرا فقد حولت هذه الحوادث المتتالية أم المؤمنين من منتقمة لغيرها إلى ثائرة لكرامتها، فأصبحت المعركة معركتها أكثر من أن تكون معركة غيرها، وأشركت في المعركة أفراد أسرتها حتى قالوا: " وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم واعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله " (68).

(٦٨) أنساب الأشراف 5 / 68.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»