الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ١٥
وهذا التفسير إن صح فهو مخالف لجميع ما تقدم من الروايات الدالة على أن المراد من الآية هو طلب المغفرة كما هو الظاهر المتفاهم من اللفظ.
ونفس هذه الاضطراب والمناقضة بين هذه المنقولات وبين ما جاء به البخاري مما يفت في عضد الجميع، وينهك من اعتباره، فلا يحتج بمثله ولا سيما في مثل المقام من تكفير مسلم بار، وتبعيد المتفاني دون الدين عنه.
5 - إن المستفاد من رواية البخاري نزول آية الاستغفار عند موت أبي طالب كما هو ظاهر ما أخرجه إسحاق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال: لما مات أبو طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم استغفر لأبيه وهو مشرك وأنا أستغفر لعمي حتى أبلغ، فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين. الآية. يعني به أبا طالب، فاشتد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه. الدر المنثور 3: 283. وإن ناقضها ما أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن علي قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب فبكى فقال:
اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه. ففعلت وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: ما كان للنبي والذين آمنوا. الآية (1).
ولعله ظاهر ما أخرجه ابن سعد وأبو الشيخ وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمر قال: لما مات أبو طالب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله وغفر لك، لا أزال أستغفر لك حتى ينهاني الله، فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون فأنزل الله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين. الدر المنثور 3: 283 لكن الأمة أصفقت على أن نزول سورة البراءة التي تضمنت الآية الكريمة آخر ما نزل من القرآن كما مر في ص 10 وكان ذلك بعد الفتح، وهي هي التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر ليتلوها على أهل مكة ثم استرجعه بوحي من الله سبحانه وقيض لها مولانا أمير المؤمنين فقال: لا يبلغها عني إلا أنا أو رجل مني (2) وقد جاء

(١) طبقات ابن سعد ١: ١٠٥، الدر المنثور ٣: ٢٨٢ نقلا عن ابني سعد وعساكر (2) راجع الجزء السادس من كتابنا هذا ص 338 - 350 ط 2.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»