وإذا علمنا أن علي بن أبي طالب هو المهيأ لولاية أمور المسلمين بعد النبي - على الأقل - أن فرض إنه لم يكن هو المنصوص عليه، أفلا يثبت لنا أن قضية أسامة كانت لقبول الناس إمارة علي على صغر سنه يومئذ بالقياس إلى وجوه المسلمين وكان إذ ذاك لا يتجاوز الثلاثين؟ وهذا ما يفسر به المشكل الأول والثاني في هذا البعث.
و (ثانيا) - أن يبعد عن المدينة ساعة وفاته من يطمع في الخلافة خشية أن يزيحوها عن صاحبها الذي نصبه لها في الخلافة. وقد ثبت عنه إنه كان يتوجس خيفة على أهل بيته ولا سيما على علي، فوصفهم بأنهم المظلومون من بعده. ولذا نراه اوعب في هذا الجيش كل شخصية معروفة تتطاول إلى الرئاسة، ولم يدخل فيه عليا ولا أحدا ممن يميل إليه الذين كانوا له بعد ذلك شيعة ووافقوه على ترك البيعة لأبي بكر، فلم يذكر واحد منهم في البعث، وهم ليسوا أولئك النكرات الذين لا يذكرون.
وهذا ما يفسر تباطؤ القوم عن البعث وعرقلتهم له بخلق الإشاعات في المعسكر عن وفاة الرسول، مع إصراره " ص "؟ ذلك الاصرار العظيم. ولم يمكنهم أن يصرحوا بما في نفوسهم، فاعتذروا بصغر قائدهم، وفي هذا كل معنى التهجين لرأي النبي وعصيان أمره الصريح.
فكان الغرض إخلاء المدينة من المزاحمين لعلي ليتم الأمر