لمؤثرات لا حكم لها غالبا على روحية الفرد لو كان خارج الاجتماع. وأهم خواص هذه الروح أنها تكون عرضة للتقلبات والانقلابات الفجائية ويبطل فيها حكم العقل وسلطانه ويقوى سلطان المحاكاة والتقليد الأعمى. ولذلك لا تفكر الجماعات إلا بأحط فكرة فيها، وتقبل أيضا كل فكرة تعرض عليها إذا اقترنت بالمؤثرات الخلابة وإن خرجت عن حدود المعقول. ومن أقوى المؤثرات شخصية الخطيب وصرامة رأيه.
فلا نستغرب قناعة المسلمين يومئذ برأي عمر بقدر ما نستغرب منه نفسه هذا الرأي وإن لم ينقل لنا صريحا قبولهم له، كما لم ينقل في الوقت نفسه اعتراض أحد عليه سوى أبي بكر وقد جاء متأخرا. وإذا أبيت فعلى الأقل شككهم في موت النبي وألهاهم عن التفكير فيما يجب أن يكون بعده وفيما سيحدث من حوادث منتظرة، لأنهم - لا شك - التفوا حوله عجبين مستغربين وهو مستمر يبرق ويرعد مهددا حتى (أزبد شدقاه).
ولكلمة (الارجاف) هنا التأثير البليغ في إقلاع أفكار الجماعات عن الدعوى التي يدعونها لأنها من الألفاظ الخلابة التي تتضمن التهجين الشنيع للدعوى والاشمئزاز منها إلى أبعد حد، إذ تشعر هنا أن مدعيها من المنافقين الذي لهم غرض مع النبي والإسلام، فقال: "... ممن أرجف بموته "