النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٨
في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره، فلم يكن منهم إلا لحداثته، مع كونهم بين كهول وشيوخ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - أن تنقاد إلى الأحداث، وتنفر - بطبعها - من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره ليست بدعا منهم، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الآدمية.
وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق على رجحان عزله، لاقتضاء المصلحة - بحسب نظرهم - لذلك.
(قال): والإنصاف إني لا أعرف وجها يقبله العقل في طلبهم عزله، بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا منددا بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه إلا الله تعالى.
وأما عزمهم على إلغاء البعث، وإصرارهم علي الصديق في ذلك مع ما رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في ذلك، فإنما كان منهم احتياطا على عاصمة الإسلام أن يتخطفها المشركون من حولهم إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق بموت النبي عليه السلام، وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت طوائف من العرب، ومنع الزكاة طوائف أخرى، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبي وقال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن ابدأ بشئ قبل إنفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور فيما أراد من رد البعث، إذا لم يكن له مقصد
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»