في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي بربه، فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى، ثم تخلف منهم عن الجيش وفي أولهم أبو بكر وعمر (57).
فهذه خمسة أمور في هذه السرية، لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية، إيثارا لرأيهم في الأمور السياسية، وترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله اعتذر عنهم شيخ الإسلام البشري في بعض مراجعاتنا معه فقال: " نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة أسامة، وأمرهم بالإسراع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين عهد إليه: اغز صباحا على أهل أبني، فلم يمهله إلى المساء، وقال له: أسرع السير فلم يرض منه إلا بالإسراع، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل فثقل حتى خيف عليه، فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله.
وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به، ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلا انتظار إحدى الغايتين، أما قرة عيونهم بصحته، وأما الفوز بالتشرف بتجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من بعده، فهم معذورون