النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٥٣
كلامه (٨٧٨).
والذين صرحوا بهذا ونحوه من أعلام الأمة كثيرون. فأي وجه إذن لهذه المشاغبات أيها المسلمون؟. والله عز وجل يقول: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾ (٨٧٩) ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (٨٨٠) ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾ (881).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على من سواهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل (882).
والصحاح في هذا ونحوه متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة.
وفي فصولنا المهمة ما يشرح صدور الأمة (883).

(٨٧٨) بل اعتذروا لأشخاص صدرت منهم جرائم وأفعال سودت وجه التاريخ وأخرجتهم من ربقة الإسلام.
اعتذروا لمعاوية في قتاله سيد الوصيين بالاجتهاد وكذلك ابنه يزيد في قتله سبط الرسول صلى الله عليه وآله وابن ملجم قاتل إمام المتقين عليه السلام وقاتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم.
اعتذروا لهم بالاجتهاد فلا جرم عليهم بل لهم أجر واحد.
راجع: الغدير ج ١٠ / ٣٤٠ وما بعدها. وراجع ما تقدم من الأحاديث في حقن الدماء تحت رقم (١٤٩ و ١٥٢).
(٨٧٩) سورة الحجرات: ١٠.
(٨٨٠) سورة الأنفال: ٤٦.
(٨٨١) سورة آل عمران: ١٠٥.
(٨٨٢) صحيح البخاري ك ٥٨ ب ١٠ و ١٧ وك ٩٦ ب ٥، مسند أحمد ج ١ / ٨١ و ج ٢ / ١٩٢ و ٢١١ و ٣٩٨ كما في مفتاح كنوز السنة.
(٨٨٣) فلتراجع منها الفصول السبعة الأول، فإنها في ٧ مواضيع (منه قدس).
الوحدة الإسلامية:
= الإسلام الذي جاء به سيد المرسلين من قبل رب العالمين هو دين الوحدة والتعاطف والتكاتف والتحابب وحث على هذه الأمور بلا مزيد عليه في أي دين أو مذهب كما أنه حذر من الاختلاف والتنازع والتباغض والتنابز وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى تفتيت الأمة وتمزيقها، وشدد النكير عليه.
قال تعالى:
(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
وتوجد سورة في القرآن باسم " الصف " لأجل توحيد الصفوف وتراصها لما لها من الموقعية والقوة فيقول فيها: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص).
وقد وردت عشرات الروايات إن لم تكن المئات بهذا الصدد ولنقتصر على جملة منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم: افشوا السلام بينكم ".
وقال صلى الله عليه وآله: " الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
وقال صلى الله عليه وآله: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ".
وقال الصادق عليه السلام:
" المسلم أخو المسلم، هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه ".
إلى غير ذلك من الروايات التي بهذا المضمون.
ونحن نفهم من هذه النصوص الإسلامية وغيرها اهتمام الإسلام بالوحدة إن المؤمن لا يكمل إيمانه إلا إذا كان يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه. وأن المسلمين جميعا كتلة واحدة لا تتجزأ وهم كالجسد الواحد لانسان واحد فخالقهم واحد ودينهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة وهم لأب واحد ولأم واحدة فما هذا الاختلاف والتشاجر والتناحر.
نعم الإسلام حذر المسلمين جميعا من الاختلاف والتنازع وطعن البعض في البعض الآخر وجعل ذلك سببا للفشل والخذلان وعدم العز في الدنيا والعقاب في الآخرة فيقول تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وذهاب الريح هنا هو ذهاب النصر الذي يؤيد به المسلمين حالة قتالهم ومجابهتهم العدو فعدم نصرهم مسببا عن تنازعهم واختلافهم وعن عبد المؤمن الأنصاري قال: دخلت على الإمام أبي الحسن (الكاظم) عليه السلام وعنده محمد بن عبد الله الجعفري، فتبسمت إليه فقال عليه السلام: " أتحبه؟ قلت:
نعم وما أحببته إلا لكم. فقال عليه السلام:
هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون ملعون من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ملعون ملعون من استأثر على أخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخاه ".
بل في نصوص إسلامية أخرى قد سلبت عنوان الإسلام الحقيقي عن الشخص إذا لم يهتم بأمر أخيه فضلا عن الطعن فيه ومحاولة هتك حرمته.
والإستعمار الشرقي والغربي لما أراد أن يستولي على بلاد المسلمين ويأخذ ثرواتهم ويستعبدهم ويجعلهم طعمة سائغة درس حالتهم الاجتماعية والنفسية فرأى من أهم الأسباب التي يتمكن بها على استعبادهم - بعد انحرافهم عن دينهم وعدم تمسكهم به -.
هي الفرقة والاختلاف فصدر القاعدة المعروفة " فرق تسد " وإلى يومنا هذا الاستعمار يستعملها كسلاح فتاك لأجل تمزيق وحدة المسلمين وإذلالهم.
فها هي دويلة إسرائيل الصهيونية تغتصب الأراضي الإسلامية والعربية بما فيها القدس الشريف القبلة الأولى للمسلمين وعددها لا يتجاوز المليونين بينما المسلمون مع قوتهم وعددهم الذي يتجاوز مليار مسلم في أنحاء العالم وليس ذلك إلا لأجل تفرقهم واختلاف كلمتهم وكل واحد يريد أن يأكل الآخر.
أليس من العار على العرب 18 سنة يهرجون ويطبلون ويرفعون عقيرتهم ليلا ونهارا بأنهم يريدون أن يحرروا فلسطين ولم يتمكنوا أن يحرروا شبرا واحدا بل نرى إسرائيل بين الفينة والفينة تستولي على أرض أخرى وتجعلها تحت سيطرتها. كيف يحررون فلسطين وهم خدام وعملاء إلى الشرق أو الغرب ويأكل بعضهم البعض الآخر.
ومن أهم الأسلحة الفتاكة التي اتخذها الاستعمار في إضعاف المسلمين والاستيلاء عليهم واستعبادهم هو التفرقة باسم السنة والشيعة فكان يثير التشاجر وكيل الاتهام لكل طرف من الطرف الآخر والسباب والشتم والتكفير وغيرها ولعل هذه الأمور لا أصل ولا موجب لها، بل لو رجعوا جميعا إلى الإسلام وإلى منابعه الأصلية الأولية مع الموضوعية وعدم التعصب لمذهب معين أو لفئة أو لشخص لعاشوا بسلام ووئام وأن عمل كل على حسب ما يؤدي إليه نظره وبحثه العلمي.
وهذا الكتاب الذي بين يديك بالرغم من أنه يتعرض إلى مواضيع حساسة جدا إلا أنه يحاول أن يبحثها بحثا موضوعيا متجنبا التعصب المذهبي والتحيز القومي. فنرجوا من الله أن يكون هذا سببا للتعرف على الحقيقة ووحدة المسلمين حتى ترجع إليهم عزتهم ومجدهم التليد والحمد لله رب العالمين.
(٥٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 548 549 550 551 552 553 557 558 559 560 561 ... » »»