بهذا، إذ لم ينقل عن أحد منهم عليهم السلام أنه جرى له مثل ذلك عند ابتداء الوحي إليه، كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري (1).
وقد وقفنا على المحاورة التي جرت - بمقتضى هذا الحديث السخيف - بين الملك والنبي فرأينا النبي صلى الله عليه وآله بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من تكليفه إياه بالقراءة، إذ قال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فإن مراد الملك أن يتابعه النبي صلى الله عليه وآله فيما يتلوه عليه، لكن النبي إنما فهم منه أن ينشئ القراءة في حال أنه لم يكن قارئا، وكأنه ظن - والعياذ بالله - أن يكلفه بغير المقدور وكل ذلك ممتنع ومحال، وما من شك في أنه فرية ضلال، وهل يليق بالنبي صلى الله عليه وآله أن لا يفهم خطاب الملك؟ أو يليق بالملك إن يكون قاصرا عن الأداء فيما يوحيه عن الله، تعالى الله وملائكته ورسله عن ذلك.
فالحديث باطل من حيث متنه، وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل أنه حديث عما قبل ولادة عائشة بسنين عديدة فإنها إنما ولدت بعد المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض، فأين هي عن مبدء الوحي؟ وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فإن قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله إذا سمعته ممن حضر مبدأ الوحي.
قلنا: لا مانع لها من ذلك، غير أن هذا الحديث في هذه الصورة لا يكون حجة، ولا يوصف بالصحة، وإنما يكون مرسلا، حتى نعرف الذي سمعته