النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٣١٢
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي - ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام - فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا يجر ردائه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى:
﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر و يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ (446) قال: فقال عمر انتهينا انتهينا (447).

(٤٤٦) سورة المائدة: ٩١.
(٤٤٧) تجد هذه القضية بلفظها في الباب الرابع والسبعين المختص بتحريم الخمر وذمها والنهي عنها من الجزء الثاني من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للإمام شهاب الدين الأبشيهي وهو من الكتب المنتشرة، ونقلها جماعة من الأثبات عن ربيع الأبرار للزمخشري. وقد ألمع الإمام الرازي إلى شئ منها في تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) من سورة المائدة، في ص ٤٤٦ من الجزء الثالث من تفسيره الكبير إذ قال: روى أنه لما نزل قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) قال عمر بن الخطاب: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت هذه الآية: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل منتهون). قال عمر:
انتهينا يا رب (منه قدس).
الغدير للأميني ج ٦ / ٢٥١، عن المستطرف ج ٢ / ٢٩١، ربيع الأبرار للزمخشري مخطوط، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٤ / ٤٨ وغيرها.
ومن أراد مزيد اطلاع على هذا الموضوع فليراجع كتاب الغدير ج ٦ / ٢٥١ فقد نقل شرب الخليفة في الجاهلية ولم ينته عن شربه إلا بعد نزول آية (فهل أنتم منتهون) التي في سورة المائدة، والمائدة آخر سورة نزلت في القرآن والتي نزلت على الرسول في حجة الوداع. ثم بعد ذلك صار يشرب النبيذ الشديد وكان يقول:
إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا.. الخ وقد " شرب شخص من النبيذ الذي كان يشرب منه فأسكره فأقام عليه الخليفة الحد قال الشعبي:
شرب إعرابي من أدواة عمر فأغشي فحده عمر. ثم قال وإنما حده للسكر لا للشرب ".
العقد الفريد ج ٣ / ٤١٦.
وقريب منه في: أحكام القرآن للجصاص ج ٢ / ٥٦٥.
لأجل المزيد من الاطلاع على هذا الموضوع راجع الغدير ج ٦ / ٢٥٧.
ناد الخمر في دار أبي طلحة:
ولعل الآية الأخيرة نزلت بسبب نادي الخمر الذي عقد في دار أبي طلحة وكان يضم أحد عشر رجلا من كبار الصحابة:
ذكر الطبري في تفسيره ج ٢ / ٢٠٣ وفي طبعة أخرى ج ٢ / ٢١١ عن أبي القموص قال: أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات فأول ما نزل قال الله: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) قال: فشربها من المسلمين ما شاء الله منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران كلاما لا يدري - عوف - ما هو فأنزل الله عز وجل فيها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشربها من شربها منهم وجعلوا يتقونها عند الصلاة حتى شربها فيما زعم أبو القموص رجل فجعل ينوح على قتلى بدر:
تحيى بالسلامة أم عمرو * وهل لك بعد رهطك من سلام؟ - ذريني اصطبح بكرا فإني * رأيت الموت نقب عن هشام - وود بنو المغيرة لو فدوه * بألف من رجال أو سوام - كأني بالطوى طوى بدر * من الشيزى يكلل بالسنام - كأني بالطوى طوى بدر * من الفتيان والحلل الكرام - قال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه فلما عاينه الرجل فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا كان بيده ليضربه قال أعوذ بالله من غضب الله ورسوله والله لا أطعمها أبدا فأنزل الله تحريمها (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس.. - إلى قوله - فهل أنتم منتهون) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: انتهينا. انتهينا.
وفي هذه الرواية تحريف من الطبري أو غيره فحذف اسم (أبو بكر) وجعل مكانه (رجل) وفي الأبيات حذف اسم (أم بكر) وجعل مكانه (أم عمرو) والذي قال الأبيات هو أبو بكر كما في مجمع الزوائد ج ٥ / ٥١ وذكر القصة كل من:
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص ٦٦، وابن حجر في الإصابة ج ٤ / ٢٢، وابن حجر في فتح الباري ج ١٠ / ٣٠، والعيني في عمدة القاري ج ١٠ / ٨٢. وكان النادي يضم أحد عشر رجلا وهم:
١ - أبو بكر وهو الذي قرأ الأبيات. ٢ - عمر ٣ - أبو عبيدة بن الجراح.
٤ - أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي ٥ - سهيل بن بيضاء ٦ - أبي بن كعب ٧ - أبو دجانة سماك بن خرشة ٨ - أبو أيوب الأنصاري ٩ - أبو بكر ابن شغوب ١٠ - أنس بن مالك ساقي القوم ذكر هؤلاء ابن حجر في فتح الباري ج ١٠ / ٣٠ وغيره ١١ - معاذ بن جبل كما في صحيح مسلم ج ٦ / 88 وغيره.
وكانت هذه الحادثة في سنة 8 ه‍ عام الفتح راجع: في خصوصيات هذه الحادثة مع مصادرها والآراء في تحريم الخمر ومتى كان. الغدير للعلامة الأميني ج 7 / 95 - 102، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 50 وغيرهما.
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 314 315 316 317 319 ... » »»