النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٣١٧
رسول الله بأبي حفص (453).
وما أن وضعت الحرب أوزارها - ونصره الله عبده، وأعز جنده وقتل الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين. وجئ بهم موثوقين - حتى قام أبو حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا: يا رسول الله إنهم كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه، ومكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه (454).
قلت: يا سبحان الله لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول الله، ولا ممن أخرجوه، ولا ممن آذوه، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه يكابدون معه تلك المحن، وقد أخرجا إلى بدر كرها بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما بذلك. ونهى رسول الله عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها، فكيف يقتلان وهما أسيران؟. وإذا كان تضور العباس أقلق رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه النوم، فما ظنك بقتله صبرا بلا مقتض لذلك، فإن العباس كان من قبل ذلك مسلما، وإنما كتم إسلامه لحكمة كان لله ورسوله فيها رضا، وله وللأمة فيها صلاح (455)

(٤٥٣) نقل ذلك عنه ابن إسحاق وغيره من أهل السير والأخبار فراجع ص ٢٨٥ من الجزء ٣ من البداية والنهاية (منه قدس).
أقول وراجع أيضا: الكامل في التاريخ ج ٢ / ٨٩، تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٨٢، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٢٨١، السيرة الحلبية ج ٢ / ١٦٨، ابن أبي الحديد ج ١٤ / ١٨٣.
(٤٥٤) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٣ / ٢٤٩، صحيح مسلم ك الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة ج ٦ / ١٥٧، الدرجات الرفيعة ص ٨٢، السيرة الحلبية ج ٢ / 190 و 191، ابن أبي الحديد ج 14 / 183.
(455) قال مفتي الشافعية في عصره السيد أحمد زيني دحلان حيث ذكر العباس في غزوة بدر من سيرته النبوية ص 504 من جزئه الأول المطبوع في هامش السيرة الحلبية نقلا عن المواهب ما هذا لفظه: وكان العباس فيما قاله أهل العلم بالتاريخ قد أسلم قديما وكان يكتم إسلامه، وكان يسره ما يفتح الله على المسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكة وكان يحضر مع النبي حين كان يعرض نفسه على القبائل، وكان يحثهم ويحرضهم على مناصرته كما تقدم ذلك في حضوره بيعة العقبة التي كانت مع الأنصار، فهذا كله يدل على إسلامه.
(قال): وكان النبي صلى الله عليه وآله أمره بالمقام بمكة ليكتب له أسرار قريش وأخبارهم، ولما أرادت قريش الخروج إلى بدر واستنفرت الناس لم يمكنه التخلف عنها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: من لقى العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها.
(قال) ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وآله لما طلب منه الفداء: ظاهر أمرك أنك كنت علينا لأن كونه عليهم في الظاهر لا ينافي كونه مكرها في الباطن، وإنما عامله النبي صلى الله عليه وآله بظاهر حالة تطييبا لقلوب الصحابة حيث فعل مثل ذلك بآبائهم وأبنائهم وعشائرهم.
(قال) وكان للعباس مال وديون في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضياعها عندهم، فكان يخفي إسلامه بأذن من النبي صلى الله عليه وآله ولم يظهر النبي للصحابة إسلام عمه رفقا به وخوفا على ضياع ماله.
(قال) وللنبي صلى الله عليه وآله غرض في إخفاء إسلامه ليكون عينا له ينقل أخبار القوم إليه ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه، فهو لم يظهر إسلامه إلا يوم فتح مكة.
(قال) وكان العباس كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله، فكتب النبي صلى الله عليه وآله له:
مقامك بمكة خير لك.
(قال) وفي رواية كتب إليه: يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه، فإن الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة، فكان الأمر كذلك فقد كان آخر المهاجرين لأنه التقى بالنبي صلى الله عليه وآله في الأبواء ولا علم له بخروج النبي لفتح مكة فرجع معه إلى آخر كلامه، وللحلبي في سيرته كلام أصرح في تقدم إسلام العباس وزوجته أم الفضل على الهجرة، فليراجعه من شاء التتبع، وليراجع نصوص العلماء في هذا الموضوع (منه قدس).
الدرجات الرفيعة ص 80، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 301، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 242.
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 314 315 316 317 319 320 321 322 323 ... » »»