النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٣٤
خاطب المؤمنين كافة بهذه الآيات لتكون قانونهم المتبع وجوبا في آدابهم وأخلاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذه الآيات كلها كما تراها قد منعت كل مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول الله صلى الله عليه وآله وكل إقدام على أمر بين يديه، فإن معنى قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) أن لا تفتئتوا عندهما برأي ما حتى يقضي الله على لسان نبيه ما شاء، وكأن المقترحين المتقدمين بين يديه كانا قد جعلا لأنفسهما وزنا ومقدارا ومدخلا في الشؤون العامة، فنبه الله المؤمنين على خطأهما فيما رأياه، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن يقفا عليه.
وقوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) نهى عن القول المشعر بأن لهم مدخلا في الأمور، أو وزنا عند الله ورسوله، لأن من رفع صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتبارا خاصا، وصلاحية خاصة، وهذا مما لا يجوز ولا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن أمعن في قوله تعالى: (واتقوا الله إن الله سميع عليم)، وقوله عز من قائل: (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) علم الحقيقة بكنهها.
ومن علم أن الله ما أقر أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين يدي الله ورسوله لا يقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه، ونظمه وأحكامه، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون.
(سابعها) أن الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه، فمنشئها هو منشئ الفرائض نفسه، بحكم كل نسابة للألفاظ والمعاني، خبير بأساليب العظماء وأهدافهم، وأنهما لمن أعظم شعائر الله عز وجل، امتازت بهما الملة الإسلامية على سائر الملل والأديان، إذ جاءت آخرا ففاقت مفاخرا فليمعن معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته،
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»