النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢٩
تنزيل من رب العالمين (1)) (إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم بمجنون (2)).
(ثانيهما) إن الشورى المذكورة في هذه الأحاديث لمما يحكم العقل مستقلا بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الإلهية فالعقل بمجرده يحيل وقوعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وهل رأي الناس فيها إلا تقول محض على الله تعالى؟ (ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين (3)).
نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا، كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله (4)). وفي مثل ذلك يجوز عليه أن يتألفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم، لكن شرائع الدين لا يجوز فيها عليه إلا اتباع الوحي المبين.
(ثالثها) أن هذه الأحاديث تضمنت من حيرة النبي صلى الله عليه وآله ما لا يجوز على مثله من المتصلين بالله عز وجل، حتى مثلته وقد ضاق في أمره ذرعا فاحتاج إلى مشورة الناس، وأنه كره الناقوس أولا، ثم أمر به بعد تلك الكراهة، وأنه صلى الله عليه وآله بعد أن أمر به عدل عنه إلي ما اقتضته رؤيا عبد الله بن زيد، وأن عدوله عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به. وهذا من البداء المستحيل على الله تعالى وعلى موضع رسالته، ومختلف ملائكته، ومهبط وحيه وتنزيله، وسيد

(1) الآية - 40 - 43 - من سورة الحاقة.
(2) الآية - 19 - 22 - من سورة التكوير.
(3) الآية 44 إلى 47 من سورة الحاقة.
(4) من الآية 159 من سورة آل عمران.
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»