بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٢ - الصفحة ٣٠
ثراه، من أنه حكى يوما في مجلسه كثرة تصانيف آية الله العلامة الحلي وجعل الحاضرون يتعجبون منها، فقال بعضهم ما معناه: إن تصانيف مولانا، لا تقصر عنها فقال المولى المجلسي ما معناه: أين تقع تصانيفي التي هي مؤلفات، من كتبه التي هي تحقيقات ومطالب علمية نظرية.
وهذا منه تواضع وخضوع، وإن توهم غيره من لا اطلاع له بشروحه وحواشيه وتحقيقاته ولا خبرة له بكيفية جمع المشتتات وإخراجها، من مآخذها وتصحيح متون الأخبار وتمييز مبهماتها، فانا لا ننكر علو مقام العلامة في النظر و الفهم والدقة والاطلاع، وإنما الكلام في اشتمال تصانيفه على تحقيقات أكثر من تصانيف المولى المعظم وتحقيقاته وفوائده، التي من جهتها لقبه أعلام العلماء الذين لا يجازفون في القول، ولا يغرقون في الثناء بالعلامة كالأستاذ الأكبر البهبهاني، وآية الله بحر العلوم، والأستاذ الأعظم الأنصاري وغيرهم كما لا يخفى على من راجع مصنفاتهم.
ثم بعد ذلك ما له من ترجمة أغلب متون الأخبار المتداولة على ما هو عليه وهو أصعب شئ على المتقن المتقى الخبير.
وكذا فساد ما اشتهر بين البطالين الطاعنين على العلماء الربانيين من أنه كان له أعوان كثيرة على جمع الأخبار، ولم يكن له حظ من تصانيفه إلا ذكر العنوان وصدر الخبر، والباقي يكتبه من حضر عنده (1) فان هذا كلام من لا دربة له بالتصنيف

(١) والذي ظهر لنا بعد التتبع في اجزاء نسخة الأصل - التي كانت بخط يده قدس سره وقد عثرنا عليها وجعلناها أصلا لطبعتنا هذه الرائقة النفيسة - أنه قد كان للعلامة المجلسي قدس الله لطيفه كتاب يكتبون بإشارته وتحت اشرافه وقد عرفنا منهم اثنين أحدهما ملا ذو الفقار، والاخر ملا محمد رضا، وهما غير معدودين في عداد العلماء، راجع في ذلك تقدمة الجزء ٧٩ ص ز وغير ذلك مما قدمنا في سائر الأجزاء المطبوعة بعنايتنا.
وهذا كله في سرد الاخبار وكتابتها واما استخراج الآيات الكريمة المناسبة لصدر الأبواب، فقد كان يستخرجها بنفسه الشريفة ويكتب تفسيرها بقلمه الشريف، ولعمري لو التقط ما استخرجه العلامة المجلسي قدس سره من آيات الله البينات وبوبه ورتبه على حسب أبواب الكتاب، لكان أحسن وأشمل وأجود من الكتاب الذي أعجب به في عصرنا.
أعني تفصيل الآيات القرآن الكريم، وهكذا البيانات التي كان يكتبها لحل مشكلات الاخبار وخصوصا بياناته الطويلة التي كان يكتبها لغرائب ما في الأدعية من اللغات الشاردة والنادرة أو التي كان يكتبها بطولها في تحقيق بحث عقلي أو فقهي أو كلامي فكلها بخط يده قدس سره على ما عثرنا عليه في النسخ الأصلية التي كانت تكتب لنفسه قدس سره، اللهم الا البيانات التي كان ينقل من سائر كتبه كالتي تلحق بأخبار كتاب الكافي من كتاب الايمان والكفر فإنها منقولة من كتابه مرآة العقول بخط كتابه، ولا ضير في ذلك كما هو واضح، راجع في ذلك تقدمتنا على الجزء ٧٠ و ٧١).
أضف إلى ذلك ما كان ينقله قدس سره من كتب بعض القدماء، ولم يكن كتابه يقدرون على قراءتها أو كانت محرفة مصحفة لا يهتدون إلى وجه التحريف والتصحيف فيها، فقد كان يصحح ذلك بخط يده قدس سره كما مرت الإشارة إلى ذلك في تقدمة الجزء ٩٢ كتاب القرآن ومع ذلك كله، فقد كان رضوان الله عليه يكتب الأخبار المستخرجة بخط يده أيضا، وقلما عثرنا على نسخة من نسخ الأصل الا وقد كان شطر كثير من الأخبار المذكورة فيها بخط يده طيب الله مضجعه، من أراد الاطلاع على ذلك فعليه أن يراجع خزانة مكتبة الفاضل النحرير الميرزا فخر الدين النصيري الأميني زاده الله توفيقا لحفظ كتب السلف عن الضياع والتلف فقد حوى قريبا من عشرين جزءا من أجزائه، أو يراجع مكتبة ملك بطهران، ففيها نحو من عشرة أجزاء من نسخة الأصل أو يراجع مكتبة الزعيم البروجردي المرحوم قدس الله لطيفه بقم ففيها أربع أجزاء (المجلد العاشر من ط الكمباني) وغير ذلك مما أشرنا أو أشار إليها سائر مصححي هذه الطبعة في مقدمة الاجزاء المطبوعة.
على أنه قد عثرنا أخيرا على كتاب له قده سماه فهرس مصنفات الأصحاب بخط يده قدس سره وهو مضبوط في مكتبة دانشگاه بطهران مرقم بالرقم.... من فهرس الكتب التي ابتاعوها من الفاضل الخبير الميرزا فخر الدين النصيري المذكور آنفا، وقد فرغ المؤلف العلامة قدس سره من تأليفه 1070 قبل شروعه بتأليف كتابه الكبير - بحار الأنوار - فقد كان قدس سره رقم أولا عناوين الكتب وأبوابها المناسبة لها طبقا لما نجدها في كتابه الكبير بحار الأنوار مع تقديم وتأخير في بعضها، ثم عمد إلى عشرة من المصادر المعتبرة التي لا تقصر عن الصحاح ورموزها: ن، ع، يد، ل، لي، مع ب، ما، فس، ج فاختار من كل كتاب نسخة مهذبة مصححة ثم رقم أحاديثها بالاعداد الهندسية، وشرع في مطالعتها بدقة وسبر كل حديث بتأمل وألحقه بالأبواب المناسبة ذكرا له بالرمز، إلى أن فرغ من تأليفه ذلك.
ثم نشط بعد سنين متوسعا في هذا النطاق وضم إلى المصادر العشرة سائر ما صنفه أصحابنا رضوان الله عليهم وشرع في تأليف كتابه البحار طبقا لعناوين وأبواب هذا الفهرس القيم واستعمل لمعاونته على ما أشرنا إليه قبل ذلك كتابا منهم مولى محمد رضا ولعله ابن عمه الآتي ترجمته تحت الرقم 39 من الفصل الثالث.
فعلى هذا يسقط كل الاعتراضات التي قد يتفوه بها البطالون بأنه كان للمجلسي أعوان كثيرة على جمع الاخبار ولم يكن له حظ من تصانيفه الا ذكر العنوان وصدر الخبر و الباقي يكتبه من حضر عنده.
فلو كانت نسخ كتاب البحار أعني نسخ المؤلف قدس سره كلها بخط كتابه وأعوانه كان نسبة الكتاب وتأليفه وترصيفه وتنسيقه إلى العلامة المجلسي نسبة صحيحة تامة لا ريب فيها، كيف وقد عرفت أن نسخة الأصل من كل جزوة رأيناها كانت أكثرها بخط يده قدس سره، وقد كان تأسيس أبوابها واستخراج الآيات الكريمة وتصدير الأبواب بها ثم تفسيرها ثم بيان الاخبار وتوضيحها بعناية شخصه الشخيص، جزاء الله عنا وعن المسلمين أهل العلم والمعرفة خير جزاء المحسنين آمين رب العالمين.
وعندنا من هذا الكتاب القيم والسند القاطع نسخة فتوغرافية نطبعها انشاء الله تعالى بالأفست بعد كتاب الإجازات مجلدا على حدة والله هو الموفق للصواب.
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست