آبائك من البلى؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بيديك ومرضت؟
وأذاقتك شهدا وصبرا؟ فان ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها وإلا فاطرحها لا مدح ولا ذم، فقد مثلت لك نفسك حين ما يغني عنك بكاؤك ولا يرحمك أحباؤك.
75 - وقال عليه السلام: إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع (1) ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار. ألا وإنكم في أيام مهل، من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهله قبل حلول أجله نفعه عمله ولم يضره أمله، ومن لم يعمل أيام مهله قبل حضور أجله ضره أمله ولم ينفعه عمله، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه، ونحبه لاحقه (2) فلا تغرنكم الأماني. ولا يغرنكم بالله الغرور، وقد كان قبلكم لهذه الدنيا سكان، شيدوا فيها البنيان، ووطنوا الأوطان، أضحت أبدانهم (3) في قبورهم هامدة، وأنفسهم خامدة، فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول: يا ليتني نظرت لنفسي، يا ليتني كنت أطعت ربي.
76 - وقال عليه السلام: إن الدنيا ليست بدار قرار، ولا محل إقامة، إنما أنتم فيها كركب عرسوا وارتاحوا (4) ثم استقلوا فغدوا وراحوا، دخلوها خفافا، و ارتحلوا عنها ثقالا، فلم يجدوا عنها نزوعا، ولا إلى ما تركوا بها رجوعا، جد بهم فجدوا، وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا، حتى اخذ بكظمهم، ورحلوا إلى دار