على ما فاتك من الدنيا حزينا، وما أصابك منها فلا تنعم به سرورا، واجعل همك لما بعد الموت فإن ما توعدون لات.
81 - وقال عليه السلام (1): انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها والله عن قليل تشقي المترف، وتحرك الساكن، وتزيل الثاوي (2) صفوها مشوب بالكدر، وسرورها منسوج بالحزن، وآخر حياتها مقترن بالضعف، فلا يعجبنكم ما يغركم منها، فعن كثب تنقلون عنها (3) وكلما هو آت قريب، و " هناك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " (4).
82 - وقال عليه السلام: أحذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة، قد تزينت بغرورها، وغرت بزينتها لمن كان ينظر إليها، فاعرفوها كنه معرفتها فإنها دار هانت على ربها، قد اختلط حلالها بحرامها، وحلوها بمرها، وخيرها بشرها، ولم يذكر الله شيئا اختصه منها لاحد من أوليائه ولا أنبيائه، ولم يصرفها من أعدائه، فخيرها زهيد، وشرها عتيد (5) وجمعها ينفد، وملكها يسلب، وعزها يبيد.
فالمتمتعون من الدنيا تبكي قلوبهم وإن فرحوا، ويشتد مقتهم لأنفسهم وإن اغتبطوا ببعض ما رزقوا، الدنيا فانية لا بقاء لها، والآخرة باقية لا فناء لها، الدنيا مقبلة، والآخرة ملجأ الدنيا، وليس للآخرة منتقل ولا منتهى، من كانت الدنيا همه اشتد لذلك غمه، ومن آثر الدنيا على الآخرة حلت به الفاقرة (6).