فليس مما لابد منه، وإنما أجرى الله تعالى العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان، ولا إيجاب هناك، ولا تأثير للزمان على وجه من الوجوه، وهو تعالى قادر على أن لا يفعل ما أجرى العادة بفعله.
وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أن تطاول العمر ممكن غير مستحيل وإنما أبي (1) من أحال ذلك من حيث اعتقد أن استمرار كون الحي حيا وجب عن طبيعة وقوة لهما مبلغ من المادة متى انتهتا إليه انقطعتا، واستحال أن تدوما، فلو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الاستحالة.
فأما الكلام في دخول ذلك في العادة أو خروجه عنها فلا شك في أن العادة قد جرت في الأعمار بأقدار متقاربة يعد الزائد عليها خارقا للعادة إلا أنه قد ثبت أن العادات قد تختلف في الأوقات وفي الأماكن أيضا، ويجب أن يراعى في العادات إضافتها إلى من هي عادة له في المكان والوقت.
وليس بممتنع أن يقل ما كانت العادة جارية به على تدريج حتى يصير حدوثه خارقا للعادة بغير خلاف ولا أن يكثر الخارق للعادة حتى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه، وإذا صح ذلك لم يمتنع أن يكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الأعمار وامتدادها ثم تناقص ذلك على تدريج حتى صارت عادتنا الآن جارية بخلافه، وصار ما بلغ مبلغ تلك الأعمار خارقا للعادة، وهذا جملة فيما أوردناه كافية.
أقول: وذكر الشيخ رحمه الله من المعمرين لقمان بن عاد وأنه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمس مائة سنة وقال: وفيه يقول الأعشى:
لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسر فعمر حتى خال أن نسوره * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر وقال لأدناهن إذ حل ريشه * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري