فانصرف عنهم وهو منهم منتصف فلما آوى إلى رحله، تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج، فضربوه بأسيافهم وهو على فراشه، لا يظن أن الذي كان يكون، فخرج يشتد عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه.
فكتب زياد إلى علي عليه السلام ما وقع. وكتب: إني أرى أن تبعث إليهم جارية بن قدامة، فإنه نافذ البصيرة، ومطاع العشيرة، شديد على عدو أمير المؤمنين عليه السلام، فلما قرأ عليه السلام الكتاب، دعا جارية فقال: يا ابن قدامة تمنع الأزد عن عاملي وبيت مالي وتشاقني مضر وتنابذني، وبنا ابتدأها الله بالكرامة، وعرفها الهدى، وتدعو إلى المعشر الذين حادوا الله ورسوله وأرادوا إطفاء نور الله سبحانه حتى علت كلمته عليهم وأهلك الكافرين.
فروى إبراهيم بإسناده عن كعب بن قعين قال: خرجت مع جارية من الكوفة في خمسين رجلا من بني تميم، وما كان فيهم يماني غيري، وكنت شديد التشيع، فقلت لجارية: إن شئت كنت معك، وإن شئت ملت إلى قومي. فقال: بل سر معي، فوالله لوددت أن الطير والبهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس.
فلما دخلنا البصرة، بدأ بزياد فرحب به وأجلسه إلى جانبه، وناجاه ساعة وساءله ثم خرج فقام في الأزد فقال: جزاكم الله من حي خيرا، ثم قرأ عليهم وعلى غيرهم كتاب أمير المؤمنين فإذا فيه:
من عبد الله أمير المؤمنين، إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم، أما بعد، فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة، ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة، ولكنه يقبل التوبة، ويستديم الأناة، ويرضى بالإنابة، ليكون أعظم للحجة، وأبلغ في المعذرة.
وقد كان من شقاق جلكم أيها الناس، ما استحققتم أن تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم وقبلت من مقبلكم، وأخذت