ألفي رجل وأوصاه أن يتجنب المدن والجماعات، وأن لا يغير على مسلحة، وأن يعجل الرجوع، فأقبل النعمان حتى دنا من عين التمر وبها مالك، ومع مالك ألف رجل، وقد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلا مائة أو نحوها، فكتب مالك إلى علي عليه السلام، فصعد عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة! المنسر من مناسر أهل الشام، إذا أظل عليكم انجحرتم في بيوتكم وأغلقتم أبوابكم، انجحار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها، الذليل والله من نصرتموه، ومن رمى بكم رمى بأفوق ناصل، أف لكم، لقد لقيت منكم ترحا!! ويحكم يوما أناجيكم، ويوما أناديكم، فلا أحرار عند النداء، (1) ولا إخوان صدق عند اللقاء، أنا والله منيت بكم، صم لا تسمعون، بكم لا تعقلون، عمي لا تبصرون!! فالحمد لله رب العالمين، ويحكم اخرجوا هداكم الله إلى مالك بن كعب أخيكم، فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير، فانهضوا إلى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الكافرين طرفا.
ثم نزل.
فلم يخرجوا، فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم، فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على المسير، فلم يصنعوا شيئا. واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة أو دونها فقام عليه السلام فقال:
إلا إني منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم، ما تنتظرون بنصركم ربكم؟ أما دين يجمعكم؟ ولا حمية تحمشكم؟ أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثار، ولا يبلغ بكم مرام!!