أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شئ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذ وأهله منفيان طريدان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد، لا يؤويهما مؤو، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا.
واجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ولا يعرفون إلا خطه وزبره.
ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة.
وإنما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيب آجالهم، حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة، وترفع عنه التوبة، وتحل معه القارعة والنقمة.
أيها الناس! إنه من استنصح الله وفق، ومن اتخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم، فإن جار الله آمن وعدوه خائف.
وإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب والباري من ذي السقم.
واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه.
فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين