وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم، فما أنتم إلا كإبل جمة أضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر.
والله لكأني بكم لو حمس الوغا وأحم البأس، قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس، وانفراج المرأة عن قبلها.
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أمير المؤمنين! فهلا فعلت كما فعل ابن عفان؟
فقال له عليه السلام: يا عرف النار ويلك! إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي [و] الحق في يدي؟!
والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه، يخذع لحمه ويهشم عظمه ويفري جلده ويسفك دمه، لضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره أنت فكن كذلك إن أحببت، فأما أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفي، يطير منه فراش الهام، وتطيح منه الأكف والمعاصم، ويفعل الله بعد ما شاء.
فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس! إن أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه نزل بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جهاد المحلين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف، مطبوع عليها، فأنتم لا تعقلون.
أفلا تستحيون عباد الله! أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس! قد شمل البلاء وشاع في البلاد، فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطأ بطنه، وملقى بالعراء تسفي عليه الأعاصير، لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس والضح، إلا الأثواب الهامدة وبيوت الشعر البالية، حتى جاءكم الله بأمير المؤمنين، فصدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بما في الكتاب.