وإنما يدرك بالصفات ذوو الهيئات والأدوات، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء.
فلا إله إلا هو، أضاء بنوره كل ظلام، وأظلم بظلمته كل نور.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، ولو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة، وعظيم الزلفة، فلما استوفى طعمته، واستكمل مدته، رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة وورثها قوم آخرون.
وإن لكم في القرون السالفة لعبرة، أين العمالقة وأبناء العمالقة؟ أين الفراعنة وأبناء الفراعنة؟ أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبارين؟ أين الذين ساروا بالجيوش وهزموا الألوف وعسكروا العساكر ومدنوا المدائن؟!
[و] منها: قد لبس للحكمة جنتها، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها، والمعرفة بها، والتفرغ لها، وهي عند نفسه ضالته التي يطلبها، وحاجته التي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه، وألصق الأرض بجرانه بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه.
ثم قال عليه السلام: أيها الناس! إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الأنبياء أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوثقوا، لله أنتم أتتوقعون إماما غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل؟!
ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، وأقبل منها ما كان مدبرا، وأزمع الترحال عباد الله الأخيار، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى.