ولا تسمع فيها دعوة ولا تفرج فيها كربة.
وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله وأن يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا لله.
واعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك وأن تنافح عن دينك ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر فلا تسخط الله برضاء أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره وليس من الله خلف في غيره، صل الصلاة لوقتها الموقت ولا تعجل وقتها لفراغ ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك.
ومنه: فإنه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى وولي النبي وعدو النبي ولقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيقمعه الله بشركه ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
بيان: قوله عليه السلام " وآس بينهم " قال [ابن الأثير] في [مادة] " أسا " من [النهاية: الأسوة والمؤاساة: المساهمة والمشاركة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا ومنه حديث علي عليه السلام " آس بينهم في اللحظة والنظرة " أي اجعل كل واحد منهم أسوة خصمه وقال ابن أبي الحديد: نبه بذلك على وجوب أن يجعلهم أسوة في جميع ما عدا ذلك من العطاء والانعام والتقريب كقوله تعالى: " ولا تقل لهما أف ".
وقال في قوله عليه السلام " في حيفك لهم " الضمير في لهم راجع إلى رعيته لا إلى العظماء وقد كان سبق ذكرهم في أول الخطبة أي حتى لا يطمع العظماء في أن تتحيف الرعية وتظلمهم وتدفع أموالهم إليهم ويجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء أي حتى لا يطمع العظماء في جورك في القسم الذي إنما تفعله لهم ولاجلهم. انتهى. والحيف يكون بمعنى الميل عن القصد وبمعنى الظلم