البلدي عن أبي المفضل الشيباني عن منصور بن الحسن عن محمد بن زكريا بن دينار عن العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن السائب:
عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له: يا ضرار صف لي عليا فقال: أو تعفيني من ذلك؟ قال: لا أعفوك قال: أما إذ لا بد:
فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته.
كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب.
كان والله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم.
يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف عن عدله.
أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبتك ثلاثا عمرك قصير وخيرك حقير وخطرك غير كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فوكفت دموع معاوية على لحيته وجعل يستقبلها بكمه واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال: هكذا [كان] أبو الحسن يرحمه الله فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ فقال: وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها ولا يسكن حزنها.