ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق أني سئمت الدنيا وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل حين فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وأني متعرض ساعتي هذه لها وقد طمعت أن لا أحرمها.
فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله أخوف الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة؟ أو من ضربة كف أو حس بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عز وجل ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد.
ثم قال: يا إخوتاه إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها وهذا وجهي إليه لا يبرح الله وجوهكم ولا يقطع الله أرحامكم.
فتبعه أخواه عبيد الله وعوف وقالا: لا نطلب رزق الدنيا بعدك قبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا.
قال: فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء فقال رجل من أصحاب علي عليه السلام والله لأحملن على معاوية حتى أقتله فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شئ عن الوقوف على رأس معاوية ودخل معاوية خباءه فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه فخرج معاوية من الخباء وطلع الرجل في أثره فخرج معاوية فأحاط به الناس وقال: ويحكم إن السيوف لم يؤذن لها في هذا ولولا ذلك لم يصل إليكم عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ثم عاد معاوية إلى مجلسه.
قال نصر: فلما انقضى هذا اليوم بما فيه أصبحوا في اليوم الثاني والفيلقان متقابلان فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا قتالا شديدا ثم إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا وعاد الفرسان ثم إن العراقي قهره فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد [أن] يذبحه فإذا هو أخوه لأبيه فصاح به أصحاب علي عليه السلام ويحك أجهز عليه. قال:
إنه أخي قالوا: فاتركه قال: لا والله حتى يأذن أمير المؤمنين فأخبر علي عليه السلام بذلك فأرسل إليه أن دعه فتركه وعاد إلى صف معاوية.