بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٦٤
الاعصار بعدهم إلى وقتنا هذا انتهى (1).
وقال التفتازاني في شرح المقاصد، محتجا على إمامة أبى بكر: لنا وجوه الأول وهو العمدة إجماع أهل الحل والعقد على ذلك، وإن كان من البعض بعد تردد وتوقف على ما روى أن الأنصار قالوا منا أمير ومنكم أمير، وأن أبا سفيان قال أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيم؟ والله لأملأن الوادي خيلا ورجلا، وذكر في صحيح البخاري وغيره من كتب الأصحاب أن بيعة علي كانت بعد توقف، وفي إرسال أبي بكر وعمر أبا عبيدة بن الجراح إلى علي (عليه السلام) رسالة لطيفة روتها الثقات باسناد صحيح يشتمل على كلام كثير من الجانبين، وقليل غلظة من عمر، وعلى أن عليا (عليه السلام) جاء إليهما ودخل فيما دخلت فيه الجماعة، وقال حين قام من المجلس:
بارك الله فيما ساءني وسركم، فما روي أنه لما بويع لأبي بكر وتخلف علي (عليه السلام) و الزبير ومقداد وسلمان وأبو ذر أرسل أبو بكر من الغد إلى علي (عليه السلام) فأتاه مع أصحابه فبايعه وسائر المتخلفين محل نظر انتهى.
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور: وتنعقد الإمامة بطرق: أحدها بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس من غير اشتراط عدد ولا اتفاق الكل من سائر البلاد، بل لو بايع واحد مطاع كفت بيعته، ثم قال فيه: طريق ثبوت الإمامة عندنا وعند المعتزلة والخوارج والصالحية خلافا للشيعة، اختيار أهل الحل والعقد وبيعتهم، من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك، ولا عدد محدود، بل ينعقد بعقد واحد منهم، ولهذا لم يتوقف أبو بكر إلى انتشار الاخبار في الأقطار، ولم ينكر عليه أحد، وقال عمر لأبي عبيدة: أبسط يدك لا بايعك، فقال: أتقول هذا وأبو بكر حاضر؟ فبايع أبا بكر، وهذا مذهب الأشعري إلا أنه يشترط أن يكون ذلك العقد بمشهد من الشهود، لئلا يدعى الاخر عقدا سرا متقدما على هذا العقد انتهى (2).

(١) راجع شرح المواقف ٢ / 467 ط دار الطباعة القاهرة.
(2) شرح المقاصد: 2 / 271 و 272، وقال في كلام له: " ان ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهرة على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرياسات، والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخير موسوما، الا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله ذكروا لها محامل وتأويلات بها يليق، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة، في حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، المبشرين بالثواب في دار القرار.
وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الظهور بحيث لا مجال للاخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، ويكاد يشهد به الجماد العجماء، و يبكى له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور والدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضى أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى انتهى.
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست