بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٤٠
ونحوه روى مصنف كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر انتهى ما رواه العلامة رحمه الله تعالى (1).
60 - وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في أول المجلد السادس من كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن أحمد بن إسحاق، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير الأنصاري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بنى ساعدة، فقالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبض، فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه: إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي، ولكن تلق منى قولي فأسمعهم، فكان سعد يتلكم وسمع ابنه يرفع به صوته، ليسمع قومه، فكان من قوله بعد حمد الله والثناء عليه أن قال:
إن لكم سابقة إلى الدين، وفضيلة في الاسلام، ليست لقبيلة من العرب، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا قليل، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يعزوا دينه، ولا يدفعوا عنه عداه، حتى أراد الله بكم خير الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بدينه، ورزقكم الايمان به، و برسوله، والاعزاز لدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم، وأثقلهم على عدوه من غيركم، حتى استقاموا لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة بأسيافكم صاغرا داحضا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد، و دانت لأسيافكم العرب، ثم توفاه الله إليه وهو عنكم راض، وبكم قرير العين، فشدوا أيديكم بهذا الامر، فإنكم أحق الناس وأولاهم به (2).

(١) كشف الحق قسم المطاعن، وقد تقدم مصادر ذلك في ص ٢٠٤ و ٢٦٨ وسيجئ بعضها تحت الرقم (٢) شنشنة أخزمية وحمية كحمية الجاهلية الأولى: كانوا يحضرون مجتمع القوم وناديهم - دار الشورى - ويعاقدون الحلف فيما بينهم وبين حليفهم: ينصرونه ويحامون عنه، ثم إذا مات كانوا أولى بميراثه وسلطانه، ولذلك ترى سعدا حضر السقيفة وهي ظلة كانوا يجتمعون تحتها في الأدوار الجاهلية لعظائم الأمور والنوائب التي تنوبهم، ثم تكلم و احتج بأن الأنصار حيث كانوا أنصار رسول الله والذابون عنه وبأسيافهم دانت العرب واستحكم سلطان الدين وعرى الاسلام، فهم أولى بأن يجوزوا سلطانه ويتوارثوا الملك الذي أسسوه بأسيافهم وتفديه أرواحهم؟! من هؤلاء المهاجرون الذين راموا ميراث رسول الله ووطنوا أنفسهم حيازة سلطانه وملكه!
وعلى هذا المبنى يبتنى أيضا حجة المهاجرين حيث قالوا: نحن عشيرته وأولياؤه، وإنما يكون الاحلاف والأنصار أولى بميراث حليفهم واحراز سلطانه، إذا لم يكن له قرابة وعصبة فعلام تنازعونا هذا الامر من بعده؟
واما رسول الله الأعظم - نفسي له الفداء - لم يبايع الأنصار على الحلف الجاهلي و لو كان ص يريد الحلف الجاهلي بأحكامه، لما رد نصرة بنى عامر بن صعصعة قبل بيعة الأنصار بسنة أو سنوات، على ما مر شرحه ص ٢٧٣، وإنما بايعهم على أن يعطوه النصر والحماية و يضمن هو لهم الجنة، سواء في ذلك بيعتهم في العقبة الأولى والثانية، وقد اعترف بشير بن سعد بذلك في هذا المجلس على ما سيجئ.
وهكذا بيعته ص مع المهاجرين والأنصار في بيعة الرضوان، بيعة اسلامية رضى بها الله عز وجل وأيدها بقوله " ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الحنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " براءة:
111.
أفترى - أيها القارئ الكريم - أن سعدا وسائر المهاجرين والأنصار وفوا ببيعهم الذي بايعوا به؟
نعم بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا في صدر الاسلام بأمر من الله عز وجل على أن يكون أخاه ووارثه وخليفته، وبايع هو - نفسي له الفداء - رسول الله على أن يؤازره ويقيه بنفسه و يذب عنه أعداءه، وقد وفيا - سلام الله عليهما - ببيعها الذي بايعاه بفضل من الله ورحمته و عونه:
واساه على في المعارك وذب عنه وعن دينه مخلصا محتسبا موفيا في المشاهد كلها:
بدر وأحد وخندق وخيبر وحنين و.... حتى عجبت الملائكة من مؤاساته; وقال رضوان في السماوات العلى: لا فتى الا على.
وقام رسول الله ص في كل مشهد ولا سيما غدير خم فقال: من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ".
أفترى - أيها القارئ الكريم - أن المهاجرين والأنصار نصروا عليا أو خذلوه؟
للكلام في هذا المضمار ذيل طويل، مر شطر منه ص 273 وترى شطرا آخر في ج 91 ص 365 - 369 من بحار الأنوار طبعتنا هذه; والله المستعان.
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»
الفهرست