بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٢٤٨
كتابه عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) وخاطباه في أمر البيعة، وخرجا من عنده، خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسولا منهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثم قال:
إن فلانا وفلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي وأبو بنيه والصديق الأكبر، وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقولها أحد غيري إلا كاذب، وأسلمت وصليت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح (1) وفي نزلت سورة من القرآن (2) وأنا الوصي على الأموات من هل بيته (صلى الله عليه وآله)، و

(١) يريد (عليه السلام) يوم الغدير، حيث أمر رسول الله ص بدوحات فقممن، ومنه قول كميت:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا راجع غديرية كميت في الكتاب الممتع الغدير ٢ / ١٨٠ وما بعده.
(٢) يريد (عليه السلام) سورة الدهر النازلة فيه وفى أهل بيته: فاطمة زوجته وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام وترى البحث عن ذلك مستوفى في ج ٣٥ / ٢٣٧ - ٢٥٧ من بحار الأنوار تاريخ مولانا أمير المؤمنين الباب السابع، وان شئت راجع إحقاق الحق بذيل العلامة المرعشي دام ظله ج ٣ ص ١٥٧ - ١٧٠ الغدير للأميني ٣ / ١٠٧ - ١١٢.
وأما الاعتراض على ذلك بابن السورة مكية وزواج على (عليه السلام) بفاطمة الصديقة الطاهرة كان بالمدينة، فعندي أن السورة - وان كانت نازلة بمكة على ما يشهد به سياق آياتها صدرا وذيلا - الا أنها تذكر في أوصاف المؤمنين مالا يمكن تطبيقها وتحقيقها والاذعان بتحققها الا في العترة الطاهرة أهل بيت النبي الأقدس وهم: على وفاطمة وابناهما الحسن والحسين والذرية الطاهرة منهم.
وذلك أنه لم يوجد في الأمة الاسلامية - منذ نزلت السورة الكريمة - جماعة من الأبرار يكون اخلاص طويتهم وشدة ايمانهم وكمال محبتهم لله والخوف من جلاله - جل جلاله - بهذه المثابة التي تصفها الآيات الكريمة " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و أسيرا... " الا بعد برهة تشكل أهل بيت الوحي العترة الطاهرة بالمدينة، وظهر مصداق الأوصاف حين وفائهم بالنذر الذي نذروها في شفاء الحسنين عليهم الصلوات والسلام.
فالمراد بنزول السورة فيهم أن الله عز وجل حيث أطلق هذه الأوصاف الكاملة للأبرار، لم يكن ليريد غير هؤلاء العترة الطاهرة، لعلمه بعدم تحقق الأوصاف في غيرهم، ولذلك باهى بوجودهم وبحسن إخلاصهم وطويتهم كأنه عز وجل يقول: انى اعلم مالا تعلمون، أنا الذي خلقت البشر وجعلته سميعا بصيرا ليصح ابتلاؤه، وهديناه السبيل ليتحقق ويتميز فيهم الشاكر من الكافر، ولا أبالي بكثرة الكافرين غير الشاكرين، بعد ما سيخرج فيهم أبرار من أوصافهم كذا وكذا.
فوزان آيات السورة من حيث تعليل أصل الخلقة - خلقة البشر، ثم تشريع الشرع وانزال القرآن، وزان آيات البقرة ٢٨ - ٣٣ حيث قال عز وجل: " انى جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال:
انى أعلم مالا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها (يعنى أسماء كل ما كان تشاهده الملائكة ومنهم الأشباح التي كانت تسبح الله عز وجل وتهلله وتمجده في السماوات العلى) ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين.
قالوا سبحانك لا علم لنا الا بما علمتنا انك أنت العزيز الحكيم، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم (وعلمت الملائكة أن هؤلاء الأشباح النورانية المتلألئة ستنزل على صفحة الأرض وتخرج من صلب آدم، صاروا محجوجين ساكتين، حيث علموا أن خلقة تنتهي بوجود هؤلاء الأبرار، لخليق بالاعتبار، والسعي في خدمتهم ثم السجدة لله عز وجل شكرا وتفاخرا على هذه الخلقة التي بدئت بصنيع آدم أبيهم، ولذلك) قال عز وجل ألم أقل لكم انى اعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون.
فلو لا أنه كان السؤال عن أسماء هؤلاء الأبرار على الوجه الذي قصصناه، لما كانت الملائكة محجوجين، بل كانت حجتهم تامة كاملة بعد ما أجابوا: " سبحانك لا علم لنا الا بما علمتنا " وذلك لان آدم (عليه السلام) أيضا لم يكن ليعلم الأسماء كلها - كما أنه لم يعلمها - الا بتعليم الله عز وجل.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»
الفهرست