ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من ساير الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه ولا يدفعني دافع عن الولاية، والقيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن انهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأو عز فيه أبلغ الايعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد.
فلم أشعر بعد أن قبض النبي (صلى الله عليه وآله) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا بمواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أنهضهم له، وأمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل ورسوله لي في أعناقهم، فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم، واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لاحد منا بني عبد المطلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي.
فعلوا ذلك وأنا برسول الله مشغول، وبتجهيزه عن ساير الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها، وسرعة اتصالها.
ثم التفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
.