بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٣٠
تبيين وتتميم (1) اعلم أنه لما كان أمر الصلاة عمدة ما يصول به المخالفون، في خلافة أبي بكر وظهر من تلك الأخبار أنه حجة عليهم لا لهم، أردت أن أوضح ذلك بنقل أخبارهم والإشارة إلى بطلان حججهم.
فمن جملة الاخبار التي رووه في هذا ما أسندوه في صحاحهم إلى عائشة:
.

(١) أقول: ستمر عليك في المقام أحاديث مستخرجه من أصول القوم وصحاحهم تصرح بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أبا بكر أن يصلى بالناس في مسجده، وان اختلفت من حيث الوقت والمقام وعدد الأيام، ولكن بعد التأمل في مضامينها وعرضها على التاريخ الصحيح المتسالم بين الفريقين، يظهر أنها غير صالحة للاحتجاج على ما ستقف عليه.
فأول ما يحب التنبه له، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان سير أبا بكر وهكذا عمر وجميع المهاجرين الأولين ووجوه الأنصار في جيش أسامة (وهو ابن سبع عشرة سنة) قبل شكواه بيومين وأمرهم بالخروج إلى أرض أبنى ليغير عليهم ويوطئهم الخيل وإذا كان ص قد أمره بالخروج عن المدينة في عسكر أسامة، فكيف يصح أن يأمره ثانيا بالصلاة بالمسلمين؟
بل وكيف تقبل صلاته في مسجد الرسول - أو صلاة عمر بن الخطاب على ما في بعض الروايات - وقد كانوا متخلفين عن أمر رسول الله في دخولهم إلى المدينة وخصوصا بعد ما أصر رسول الله بتنفيذ جيشه ولعن المتخلف عنها:
ففي طبقات ابن سعد (ج ٢ ق ١ ص ١٣٦) قالوا: لما كان يوم الاثنين لا ربع ليال بقين من صفر سنة ١١ من مهاجر رسول الله أمر رسول الله الناس بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الاخبار... فلما كان يوم الأربعاء، بدئ برسول الله فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال: أغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف، فلم يبق أحمد من وجوه المهاجرين الأولين و الأنصار الا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس!
فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في امارتي أسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان للامارة لخليقا وان ابنه من بعده لخليق للامارة...
ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله فجعل يقول: أنفذوا جيش أسامة (وزاد في رواية أخرجها ج ٢ ق ٢ ص ٤١: ثلاث مرات) فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله وجعه يرفع إلى السماء ثم يضعها على أسامة (بل يصبها على أسامة كما في رواية أخرى سيجئ نصها) قال: فعرفت أنه يدعو لي (وأقول:
بل قد كان يأمره بالرحيل وتنفيذ الجيش اللهم الا أن يزعم أحد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يشير إلى الله ليفتهم عنه ويجيب دعاءه، نعوذ بالله من الكفر) ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله مفيقا فقال له: اغد على بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل، فبينا هو يريد الركوب، إذا رسول أمه أم أيمن (وفى رواية أخرى ج ٤ ق ١ ص ٤٧ فاطمة بنت قيس امرأته) قد جاءه يقول: ان رسول الله يموت...
وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري على ما في شرح النهج ج ٢ ص ٢٠ ان رسول الله في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير و امره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد - إلى أن قال - فلما افاق رسول الله سأل عن أسامة والبعث فأخبر انهم يتجهزون فجعل يقول: " أنفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه " وكرر ذلك فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين.. قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا الا بالأمير.
وفى شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ص ٥٣ (شرح الخطبة الشقشقية) مثل ذلك مستوعبا وفيه " فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار الا كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر " وفيه " فدخل أسامة من معسكره والنبي مغمور.. فتطأطأ أسامة عليه فقبله ورسول الله قد أسكت فهو لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة كالداعي له ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه لما بعثه فيه فرجع أسامة إلى عسكره..
إلى أن قال:
فدخل أسامة من معسكره يوم الاثنين الثنى عشر من شهر ربيع الأول فوجد رسول الله مفيقا فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ وقال: اغد على بركة الله وجعل يقول أنفذوا بعث أسامة ويكرر ذلك، فودع رسول الله وخرج معه أبو بكر وعمر، فلما ركب جاءه رسول أم أيمن فقال: ان رسول الله يموت فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله حين زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات، الخبر، وسيجئ شطر آخر من كلامه نقلا عن شيخه اللمعاني في ص وفى كنز العمال ج ٥ ص ٣١٢ ومنتخبه ج 4 ص 180 نقلا عن مسند ابن أبي شيبة باسناده عن عروة أن النبي كان قد قطع بعثا قبل موته وأمر عليهم أسامة بن زيد، وفى ذلك البعث أبو بكر وعمر فكان أناس من الناس يطعنون في ذلك الحديث بطوله وفى ص 181 من المنتخب نفسه عن الواقدي باسناده عن عروة مثل ذلك وفيه:
" فعسكر أسامة بالحرف وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم وجعل الناس يأخذون
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 130 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست