بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٢٥
بشئ وكتمني، ومنهم من حدثني ثم قال: أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا.
وذلك لما ادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول بعد ذلك: إنا أهل بيت أكرمنا الله واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت البنوة والخلافة (1) فاحتج بذلك أبو بكر على علي (عليه السلام) حين جئ به للبيعة .

(١) هذه مزعمة من يقدر الخلافة رئاسة دنيوية وسلطة تجبرية، ولما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " انا أهل بيت اختار الله لن الآخرة على الدنيا " تقدر من ذلك أن الخلافة تقابل النبوة وأنها لا تصل إلى أهل بيته بأمر من الله ولكن الله يقول عز من قائل " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما " بل لعمري هذه مزعمة من لم يعرف حقيقة النبوة، ولا الخلافة عنها، فان النبوة الاسلامية هي الجامعة لأمور الدنيا والدين، وقد كان الرسول الأعظم على كمال زهده وأعراضه عن الدنيا رئيسا للمسلمين يأمرهم وينهاهم بأمر الله لا تعظما وتجبرا عليهم، وهكذا الخلافة الاسلامية، فان الخليفة هو الذي يقوم مقام النبي في أمره ونهيه يتبع بذلك حكم الله وسنة نبيه ليس يريد بذلك حرث الدنيا والتجبر فيها.
فالخلافة لا تفترق بشئونها عن النبوة الا بالوحي فان النبي يلتقط الوحي من الله، والخليفة يلتقط ذلك عن النبي ويصدر عن أمره ونهيه، وأما من حيث الرئاسة الدينية الإلهية فهما سيان لا يراد بهما الا إحقاق الحق وإقامة العدل، لا الدنيا وزخرفها.
فهذا علي بن أبي طالب حامل لواء الخلافة يقول في كلام له يتشكى أصحابه من سوء تربيتهم ونفورهم عن الحق وأنسهم بالباطل في الفترة بين قيامه بالحق ورحلة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):
" أيتها النفوس المختلفة والقلوب المتشتتة، الشاهدة أبدانهم والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى عن وعوعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم سرار العدل أو أقيم اعوجاج الحق، اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شئ من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك (النهج خ ١٢٩) إلى غير ذلك من كلماته المعتضدة بسيرته الكريمة الانسانية.
وأما أبو بكر فهو الذي يقول حين ولى الأمة: أيها الناس قد وليتكم ولست بخيركم فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني قد ملت فقوموني، الا وان لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فتجنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم (الإمامة والسياسة:
١٩، الطبري ٣ / ٢٢٤ البداية والنهاية ٦ / 203 تاريخ الخلفاء: 27.) فالرجل كان يقدر الخلافة رياسة دنياوية تراه يتكلم بما يتكلم أحد الرؤساء الجمهورية ويراوغ كروغانهم: تارة يصانعهم ويقول: " قد وليتكم ولست بخيركم " وتارة يهددهم و يقول " فإذا رأيتموني مغضبا فتجنبوني لا أو ثر في أشعاركم وأبشاركم " ومع هذا الغضب الذي يخرجه عن الحق (والمؤمن هو الذي لا يخرجه غضبه عن الحق) كيف ينتفع الناس بشريطته التي يأمر الناس بها: " فإذا رأيتموني " الخ، وهل تمكن أحد أن يقومه حين مال عن الحق في كثير من سيره؟ لا والله ما انتفع المسلمون بشريطته تلك، حتى شقيقه عمر حيث نقم عليه ما فعله خالد بن الوليد بمالك بن نويرة عشيرته ثم عرسه بزوجته قبل استبرائها من دون ريث، وطلب منه أن يقتله قودا فأبى وقال: لا أشيم سيفا سله الله، إلى غير ذلك من سيره التي تأتى في أبوابها
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست