وهذه الثلة (1) العظمى التي ملأت بياضها وسوادها أرضي، فهم أخابث خلقي وأشرار عبيدي وهم الذين يدركون محمدا خيرتي وسيد بريتي فيكذبونه صادقا ويخوفونه آمنا ويعصونه رؤوفا وهم يعرفونه والنور (2) الذي أبعثه به، يظاهرون على اخراجه من أرضه، ويتظاهرون على قتاله وعداوته، ثم القوامين بالقسط من بعد هذا، وهم (3) لهم جنة، حق علي لأصلين عذابهم نارا لا ينقطع، ثم لألحقنهم بعدوي الذي اتخذوه وذريته أولياء من دوني ودون أوليائي أجل ثم لأتبعن من يأتي منهم من بعدهم أنتقم منهم وأنا غير ظالم، وعند انقضاء مناجاة آدم ربه خر ساجدا فأوحى الله عز وجل - وهو أعلم به وبقلبه -: ما سجودك هذا؟ قال: تعبدا لك يا إلهي وحدك وتعظيما لأوليائك هؤلاء الذين كرمت ورفعت، وكانت أول سجدة سجدها مخلوق، فشكر الله عز وجل ذلك له، فأسجد له ملائكته وأباحه جنته، وأوحى إليه: أما إني مخرجهم من صلبك وجاعلهم في ذريتك.
فلما قارف آدم الخطيئة واخرج من الجنة توسل إلى الله وهو ساجد بمحمد (صلى الله عليه وآله) وحامته وأهل بيته هؤلاء فغفر الله له خطيئته وجعله الخليفة في أرضه.
فلما أتى القوم على باقي المسباح الثاني من ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أهل بيته عليهم السلام أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى التي ميراثها إلى إدريس (عليه السلام) وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم، وهو الذي كتب به من بعد نوح (عليه السلام) ملوك الهياطلة المتماردة فافتض القوم الصحيفة فأفضوا منها إلى هذا الرسم.
قالوا: اجتمع إلى إدريس (عليه السلام) قومه وصحابته وهم يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان فخبرهم بما اقتص عليهم قال: إن بني أبيكم آدم (عليه السلام) لصلبه وبني بنيه وذريته اجتمعوا فيما بينهم، وقالوا: أي الخلق عندكم أكرم على الله عز وجل