رسول الله صلى الله عليه وآله فأمرها فاستقت دلوا من ماء، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله فشرب وغسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد (1) في الخيل، فكان بإزائه، ثم أرسلوا الجيش (2) فرأى البدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض، فرجع ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال لأبي سفيان: يا با سفيان أما والله ما على هذا حالفناكم، على أن تردوا الهدي عن محله، فقال: اسكت فإنما أنت أعرابي، فقال: أما والله لتخلين عن محمد وما أراد أو لانفردن في الأحابيش (3)، فقال: اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا.
فأرسلوا إليه عروة بن مسعود، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة، كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجارا فقتلهم، وجاء بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأبى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقبلها، وقال: " هذا غدر ولا حاجة لنا فيه " فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا: يا رسول الله هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظم البدن، قال: " فأقيموها " فأقاموها، فقال: يا محمد مجئ من جئت؟
قال: " جئت أطوف بالبيت، وأسعى بين الصفا والمروة، وأنحر هذه الإبل، وأخلي عنكم وعن لحمانها " قال: لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له، إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وأن تقطع أرحامهم، وأن تجرئ عليهم عدوهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما أنا بفاعل حتى أدخلها " قال: وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله صلى الله عليه وآله تناول لحيته، والمغيرة قائم على رأسه، فضرب بيده، فقال: من هذا يا محمد؟ فقال: " هذا ابن أخيك المغيرة " فقال: يا غدر والله ما جئت إلا في غسل سلحتك (4)، قال: فرجع إليهم، فقال لأبي سفيان وأصحابه: لا والله ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له.