بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٩
مسلمة مع القوم إلى قرب قصره، وأجلس قومه عند جدار، وناداه: يا كعب، فانتبه وقال: من أنت؟ قال: أنا محمد بن مسلمة أخوك، جئتك أستقرض منك دراهم فإن محمدا يسألنا الصدقة وليس معنا الدراهم، فقال كعب: لا أقرضك إلا بالرهن، قال: معي رهن انزل فخذه، وكانت له امرأة بنى بها تلك الليلة عروسا، فقالت: لا أدعك تنزل لأني أرى حمرة الدم في ذلك الصوت، فلم يلتفت إليها، وخرج فعانقه محمد بن مسلمة وهما يتحادثان حتى تباعدا من القصر إلى الصحراء، ثم أخذ رأسه ودعا بقومه وصاح كعب، فسمعت امرأته فصاحت وسمع بنو النضير صوتها فخرجوا نحوه فوجدوه قتيلا ورجع القوم سالمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أسفر الصبح أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بقتل كعب ففرحوا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بحربهم والسير إليهم، فسار بالناس حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصن، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه، يا محمد قد كنت تنهى عن الفحشاء، فما بالك تقطع النخل و تحرقها؟ فأنزل الله سبحانه: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها " الآية، وهي البؤيرة في قول حسان:
وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبؤيرة مستطير والبؤيرة تصغير بؤرة وهي إرة النار أي حفرتها.
وقال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضهم و أوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات بالشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء، فخرجوا إلى أذرعات وأريحا (1) إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة، وكان ابن عباس يسمي هذه السورة سورة بني النضير.

(1) أذرعات بالفتح ثم السكون، وكسر الراء بلد في أطراف الشام يجاور ارض البلقاء وعمان. وأريحا بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة مقصورا: لغة عبرانية وهي مدينة الجبارين في الغور من ارض الأردن بالشام، سميت بأريحا بن مالك بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست