بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ١٩٨
وثالثها: أنه لما ذكر إنعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة ذكر السبب الذي استحقوا به ذلك الانعام وهو إيمانهم بما حملوه أولا فقال: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه إلى الكعبة (1).
" قد نرى تقلب وجهك " قال المفسرون: كانت الكعبة أحب القبلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لجبرئيل: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها فقال له جبرئيل: إنما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فادع ربك وسله، ثم ارتفع جبرئيل وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبرئيل بالذي سأل ربه، فأنزل الله هذه الآية، أي قد نرى تقلب وجهك يا محمد في السماء لانتظار الوحي في أمر القبلة، وفي سببه وجهان (2): أحدهما أنه كان وعد بتحويل القبلة عن بيت المقدس، فكان يفعل ذلك انتظارا وتوقعا للموعود، والثاني أنه كان يكره قبلة بيت المقدس، ويهوى قبلة الكعبة، وكان لا يسأل الله ذلك، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يسألوا الله شيئا من غير أن يؤذن لهم فيه، لأنه يجوز أن لا تكون فيه مصلحة، فلا يجابون إلى ذلك، فيكون ذلك فتنة لقومهم، واختلف في سبب إرادته صلى الله عليه وآله تحويل القبلة إلى الكعبة فقيل: لان الكعبة كانت قبلة أبيه إبراهيم وقبلة آبائه، وقيل: لان اليهود قالوا: تخالفنا يا محمد في ديننا وتتبع قبلتنا (3)، وقيل: إن اليهود قالوا ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم، وقيل: كانت العرب يحبون الكعبة ويعظمونها غاية التعظيم، فكان في التوجه إليها استمالة لقلوبهم ليكونوا أحرص على الصلاة إليها، وكان صلى الله عليه وآله حريصا على استدعائهم إلى الدين " فلنولينك قبلة ترضاها " أي تحبها محبة الطباع، لا أنه كان يسخط القبلة الأولى " وإن الذين أوتوا الكتاب " أي علماء اليهود و النصارى " ليعلمون أنه الحق من ربهم " أي تحويل القبلة حق مأمور به، وإنما

(1) مجمع البيان 1: 255.
(2) في المصدر: وقيل: في سبب تقليب النبي صلى الله عليه وآله وجهه في السماء قولان.
(3) في المصدر: لان اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست