صلى الله عليه وآله لما ظهر بالمدينة أمره، وعلا بها شأنه حدث يوما أصحابه عن امتحان الله عز وجل للأنبياء، وعن صبرهم على الأذى في طاعة الله. فقال في حديثه: إن بين الركن والمقام قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع والقمل (1)، فسمع بذلك بعض المنافقين من اليهود وبعض مردة (2) قريش فتؤامروا (3) بينهم ليلحقن محمدا بهم فيقتلوه (4) بسبوفهم حتى لا يكذب، فتؤامروا بينهم وهم مأتان على الإحاطة به يوما يجدونه من المدينة خارجا (5)، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خاليا فتبعه القوم، ونظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل، ثم جعل بدنه وظهره يحكه من القمل فأنف من أصحابه، واستحيا فانسل عنهم (6)، وأبصر آخر ذلك من نفسه وفيها قمل مثل ذلك فانسل، فما زال كذلك حتى وجد ذلك كل واحد من نفسه فرجعوا، ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى عليهم القمل، وانطبقت حلوقهم (7)، فلم يدخل فيها طعام ولا شراب فماتوا كلهم في شهرين منهم من مات في خمسة أيام، ومنهم من مات في عشرة أيام وأقل وأكثر، فلم يزد على شهرين حتى ماتوا بأجمعهم بذلك القمل والجوع والعطش، فهذا القمل الذي أرسله الله تعالى على أعداء محمد صلى الله عليه وآله آية له.
وأما الضفادع فقد أرسل الله مثلها على أعداء محمد صلى الله عليه وآله حين قصدوا قتله فأهلكهم بالجرذ (8) وذلك أن مأتين بعضهم كفار العرب، وبعضهم يهود، وبعضهم أخلاط من الناس اجتمعوا بمكة في أيام الموسم وهموا فيما بينهم لنقتلن محمدا، فخرجوا نحو المدينة، فبلغوا بعض تلك المنازل، وإذا هناك ماء في بركة (9) أطيب من مائهم الذي كان معهم فصبوا ما