بدفن أصحابه، فجاءت المرأة إلى أبي سفيان تسأله أن يبعث رجلا مع عبد لها إلى مكان ذلك المقتول ليجتز رأسه فيؤتى به لتفي بنذرها فتشرب في قحفه خمرا، وقد كانت البشارة أتتها بقتله، أتاها بها عبد لها فأعتقته وأعطته جارية لها، ثم سألت أبا سفيان فبعث إلى ذلك المقتول مأتين من أصحاب (1) الجلد في جوف الليل ليجتزوا رأسه فيأتوها به، فذهبوا فجاءت ريح فد حرجت الرجل إلى حدور (2) فتبعوه ليقطعوا رأسه فجاء من المطر وابل عظيم فغرق المأتين، ولم يوقف لذلك المقتول ولا لواحد من المأتين على عين ولا أثر، ومنع الله الكافرة مما أرادت، فهذا أعظم من الطوفان آية له صلى الله عليه وآله.
وأما الجراد المرسل على بني إسرائيل فقد فعل الله أعظم وأعجب منه بأعداء محمد صلى الله عليه وآله، فإنه أرسل عليهم جرادا أكلهم، ولم يأكل جراد موسى عليه السلام رجال القبط، ولكنه أكل زروعهم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض أسفاره إلى الشام، وقد تبعه مأتان من يهودها في خروجه عنها وإقباله نحو مكة، يريدون قتله، مخافة أن يزيل الله دولة اليهود على يده، فراموا قتله، وكان في القافلة فلم يجسروا عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد حاجة أبعد واستتر بأشجار تكنفه (3)، أو برية بعيدة، فخرج ذات يوم لحاجته فأبعد وتبعوه وأحاطوا به وسلوا سيوفهم عليه، فأثار الله جل وعلا من تحت رجل محمد من ذلك الرمل جرادا (4) فاحتوشتهم وجعلت تأكلهم، فاشتغلوا بأنفسهم عنه، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من حاجته وهم يأكلهم الجراد ورجع إلى أهل القافلة فقالوا له: ما بال الجماعة خرجوا خلفك لم يرجع منهم أحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: جاءوا يقتلونني فسلط الله عليهم الجراد، فجاءوا ونظروا إليهم فبعضهم قد مات، وبعضهم قد كاد يموت، والجراد يأكلهم، فما زالوا ينظرون إليهم حتى أتى الجراد على أعيانهم فلم تبق منهم شيئا.
وأما القمل فأظهر الله قدرته على أعداء محمد صلى الله عليه وآله بالقمل، وقصة ذلك أن رسول الله