كان معهم منه، وملأوا رواياهم ومزاودهم من ذلك الماء وارتحلوا (1) فبلغوا أرضا ذات جرذ كثير (2) فحطوا رواحلهم عندها فسلطت على مزاودهم ورواياهم وسطائحهم الجرذ (3) و خرقتها ونقبتها (4)، وسال مياهها في تلك الحرة (5) فلم يشعروا إلا وقد عطشوا ولا ماء معهم فرجعوا القهقرى إلى تلك البركة (6) التي كانوا تزودوا منها تلك المياه، وإذا الجرذ (7) قد سبقهم إليها فنقبت أفواهها (8)، وسألت (9) في الحرة مياهها، فوقفوا آيسين من الماء و تماوتوا، ولم يفلت منهم أحد إلا واحد، كان لا يزال يكتب على لسانه محمدا، وعلى بطنه محمدا ويقول: يا رب محمد وآل محمد قد تبت من أذى محمد ففرج عني بجاه محمد وآل محمد فسلم، و كف (10) عنه العطش، فوردت عليه قافلة فسقوه وحملوه وأمتعة القوم وجمالهم، وكانت أصبر على العطش من رجالها، فآمن برسول الله صلى الله عليه وآله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الجمال و الأموال له.
قال: وأما الدم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله احتجم مرة فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري وقال له: غيبه، فذهب فشربه، فقال له صلى الله عليه وآله: ما صنعت (11) به؟ قال: شربته يا رسول الله قال: أو لم أقل لك غيبه، فقال: غيبته (12) في وعاء حريز، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إياك وأن تعود لمثل هذا، ثم اعلم أن الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط بدمي ولحمي فجعل أربعون من المنافقين يهزؤون برسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون: زعم أنه قد أعتق