قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وكان حزن يعقوب عليه السلام حزنا بعده تلاق، ومحمد صلى الله عليه وآله قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياة منه، وخصه بالاختبار ليعظم له الادخار فقال صلى الله عليه وآله: " تحزن النفس ويجزع القلب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب " في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز ذكره، والاستسلام له في جميع الفعال.
فقال له اليهودي: فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، فالقي في الجب وحيدا.
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى مرارة الغربة، وفارق الأهل (1) والأولاد والمال مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عز وجل كأبته و استشعاره (2) الحزن أراه تبارك وتعالى اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف عليه السلام في تأويلها، و أبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون (3) " ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن فلقد حبس رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم، وألجأوه إلى أضيق المضيق، فلقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا (4) إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف عليه السلام القي في الجب فلقد حبس محمد صلى الله عليه وآله نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه: " ولا تحزن إن الله معنا (5) " ومدحه الله بذلك في كتابه.
فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران عليه السلام آتاه الله التوراة التي فيها حكمه.
قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل منه، أعطي محمد