المخالف والمؤالف يروي أن من قال عندها: بحق علي يفور الماء من قعرها إلى رأسها، ولا يفور بذكر غيره وبحق غيره، وإن سور حلب من أصلب الحجارة فضربه علي بن أبي طالب بسيفه فأثره من فوقه إلى الأرض ظاهر، وإنه صلى الله عليه وآله لما خرج إلى صفين فكان (1) بينه وبين دمشق مأة فرسخ وأكثر وقد نزل ببرية فكان يصلي فيها، فلما فرغ ورفع رأسه من سجدة الشكر قال: أسمع صوت بوق التبريز لمعاوية من دمشق، فكتبوا التاريخ، فكان كما قال، وقد بني هناك مشهد يقال له: مشهد البوق، وبكى داود عليه السلام على خطيئته حتى سارت الجبال معه، ومحمد صلى الله عليه وآله قام إلى الصلاة فسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي (2) من شدة البكاء، وقد آمنه الله من عقابه فأراد أن يتخشع، وقام على أطراف أصابع رجليه عشر سنين حتى تورمت قدماه، واصفر وجهه من قيام الليل، فأنزل الله " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (3) " وكان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له:
أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وكذلك كانت غشيات علي بن أبي طالب وصية في مقاماته (4).
وإن سليمان عليه السلام سأل الله فاعطي ملكا لا ينبغي لاحد من بعده، ومحمد صلى الله عليه وآله عرضت عليه مفاتيح خزائن كنوز الأرض فأبى استحقارا لها، فاختار التقلل والقربى (5)، فآتاه الله الشفاعة والكوثر وهي أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، فوعد الله له المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وسار في ليلة إلى بيت المقدس ومنه إلى سدرة المنتهى، وسخر له الريح حتى حملت بساطه بأصحابه إلى غار أصحاب الهكف، وإن كان لسليمان عليه السلام غدوها شهر ورواحها شهر فكذلك كانت لأوصياء محمد، وسخرت له الجن، وآمنت به منقادة طائعة في قوله: " وإذ (6) صرفنا إليك نفرا من