فإن ديدنه التسلل (1) والفرار، ولتعظيم الجرم في الذهاب عن مجلسه بغير إذنه، ولذلك أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ فقال: " إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله " فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة، وإن الذاهب بغير إذن ليس كذلك " فإذا استأذنوك لبعض شأنهم " ما يعرض لهم من المهام، وفيه أيضا مبالغة وتضييق للامر " فأذن لمن شئت منهم " تفويض للامر إلى رأي الرسول صلى الله عليه وآله، واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه، ومن منع ذلك قيد المشية بأن تكون تابعة لعلمه بصدقه، وكأن المعنى فأذن لمن علمت أن له عذرا " واستغفر لهم الله " بعد الاذن، فإن الاستيذان ولو لعذر قصور، لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين " إن الله غفور " لفرطات العباد " رحيم " بالتيسير عليهم " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " لا تقيسوا دعائه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الاعراض والمساهلة في الإجابة، والرجوع بغير إذن، فإن المبادرة إلى إجابته واجبة، والمراجعة بغير إذنه محرمة، وقيل: لا تجعلوا انداءه وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه، ورفع الصوت (2) والنداء وراء الحجرات، ولكن بلقبه المعظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله، مع التوقير والتواضع، وخفض الصوت، أولا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض فلا تبالوا بسخطه، فإنه مستجاب (3)، أو لا تجعلوا دعائه لله كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى، فإن دعاءه موجب (4) " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم " يتسللون قليلا قليلا من الجماعة، ونظير تسلل: تدرج (5) " لواذا " ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج، أو يلوذ بمن يؤذن له فينطلق معه، كأنه تابعه، وانتصابه على الحال " فليحذر الذين يخالفون عن أمره " بترك مقتضاه، ويذهبون سمتا على خلاف سمته، و (عن) لتضمنه معنى الاعراض، أو يصدون عن أمره دون المؤمنين من خالفه عن الامر إذا صد عنه دونه، وحذف المفعول لان المقصود بيان المخالف عنه، والضمير لله فإن الامر
(١٧)