قال: ما فعل الملك دقيانوس؟ قالا له: ليس نعرف اليوم ملكا يسمى دقيانوس على وجه الأرض، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال يمليخا: والله ما هو بمصدقي أحد من الناس بما أقول، (1) لقد كنا فتية وأن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسس الاخبار فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أريكم أصحابي.
فلما سمع أربوس ذلك قال: يا قوم هذه آية (2) من آيات الله عز وجل جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا جميعا معه نحو أصحاب الكهف، فلما رأى الفتية أن يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم ظنوا أنه قد أخذه دقيانوس، فبينا هم يظنون و يتخوفون إذ سمعوا الأصوات وظنوا أنهم رسل دقيانوس فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار، فلم يروا إلا أربوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف وسبقهم يمليخا فدخل عليهم يبكي وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله، و إنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث.
ثم دخل أربوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة، ففتح التابوت فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما: أن مكسملينا ومجسملينا ويمليخا و مرطونس وكسوطونس وبيورس وبكرنوس وبطينوس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم، (3) فلما رأوه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث، ثم دخلوا عليهم فوجدوهم جلوسا مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم، فخر أربوس وأصحابه سجدا.