" معذرة إلى ربكم " معناه: موعظتنا إياهم معذرة إلى الله، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا: لم لم تعظوهم، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون " فلما نسوا ما ذكروا به " أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك " أنجينا الذين ينهون عن السوء " أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية " وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس " أي شديد " بما كانوا يفسقون " أي بفسقهم وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة، عن الجبائي، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أو من الهالكة.
وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة وبه قال السدي. والثاني: أنه هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. والثالث: التوقف فيه، روي عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي ويقرأ هذه الآية، ثم قال: قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان، وأنجى الذين نهوهم، ولم أدر ما صنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية، وهذا حالنا، واختاره الجبائي، وقال الحسن: إنه نجا الفرقة الثالثة لأنه ليس شئ أبلغ في الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا الوعيد فقالوا: " الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " وقال: قتل المؤمن أعظم والله من أكل الحيتان (1) " فلما عتوا عما نهوا عنه " أي عن ترك ما نهوا عنه، يعني لم يتركوا ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها " قلنا لهم كونوا قردة " أي جعلناهم قردة " خاسئين " مبعدين مطرودين، وإنما ذكر " كن " ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم، وحكي ذلك عن أبي الهذيل، قال قتادة:
صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا ونساء، وقيل: إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا، عن ابن عباس قال: ولم يمكث مسخ فوق