جعل الله الشهور لها ساعات، ثم ناداها جبرئيل: " وهزي إليك بجذع النخلة " أي هزي النخلة اليابسة، فهزت وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان، فأقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم: أين النخلة اليابسة؟
فاستهزؤوا بها وزجروها، فقالت لهم: جعل الله كسبكم نزرا، (1) وجعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم، و أحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى، فلما نظرت إليه قالت:
" يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ماذا أقول لخالي؟ وماذا أقول لبني إسرائيل؟ فناداها عيسى من تحتها: " ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " أي نهرا " وهزي إليك بجذع النخلة " أي حركي النخلة " تساقط عليك رطبا جنيا " أي طيبا، وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري وطابت نفسها، فقال لها عيسى: قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا، فقمطته وسوته، وقال لها عيسى: " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما " وصمتا كذا نزلت " فلن أكلم اليوم إنسيا " ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها، وخرج خالها زكريا عليه السلام فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها: " يا مريم لقد جئت شيئا فريا * (2) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " ومعنى قولهم: يا أخت هارون أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به، (3) من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني إسرائيل؟
فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها: " كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فأنطق الله عيسى عليه السلام فقال: " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا